المنشور

هل سنصبح البحرين 2؟ – عبدالله النيباري

المنظر الذي عكسته صورة سبعة من أفراد القوات الخاصة
(عالم اليوم 2012/1/6) وهم يحاوطون أحد الشباب، (سلام وليد الرجيب)،
ويتبادلون ضربه بالعصي، كان أمراً مرعباً، خاصة أنه جاء بعد افتتاحية جريدة
الراي (الجمعة 1/4) الذي تناولت فيه تشخيصاً موضوعياً دقيقاً لحالة التأزم
في الكويت، وأرجعت أسبابها إلى فقدان الرؤية وسوء الإدارة وعدم القدرة على
التعامل مع المتغيرات في الساحة، وأهمها قضية التعامل مع الشباب وشعورهم
بعدم الرضا الذي تحوّل إلى حالة غضب، عبروا عنها بحراك تلقائي، قد لا يكون
مثالياً وقد لا يرضى عنه البعض، وقد تكون عليه مآخذ كثيرة، لكن ما لا يجوز
تجاهله هو أنه يعبّر عن حالة اجتماعية سائدة وواسعة، فعدم الرضا عن حالة
البلد والشكوى من سوء الإدارة التي «حدفت» الكويت إلى مؤخرة الركب، من
الأمور الشائعة بين كل شرائح المجتمع، وإن اختلفت طرق التعبير عنها.

دولة قمع

لكن بعد كل ذلك، فإن المنظر الذي عكسته الصورة يثير
مخاوف عميقة، فهل نحن بصدد تحوّل من مشروع بناء دولة القانون إلى دولة
القمع بالعصا الأمنية الغليظة، وبالقنابل المسيلة للدموع والتوسّع في
الاعتقال والحجز الذي سيشمل النساء والفتيات بإنزال الشرطة النسائية؟

ثم تعرّض من اعتقل من الشباب للخطف من الشوارع كما حصل مع خالد الديين وحمد الدرباس.. فهل هذا هو مشروع النهضة الذي تعدنا به السلطة؟

وإذا أضفنا إلى ذلك المشاريع المطروحة في قاعة عبدالله
السالم من اقتراحات بتغليظ العقوبة على المساس بالذات الأميرية بصيغ مطاطة،
تسمح بالتفتيش في النوايا، والأخطر ما يطرح من اقتراحات لإدخال تعديلات
على الدستور، وهذا يعيدنا لمسألة أساسية تتعلق بالنظام السياسي الذي توافق
عليه الكويتيون وحاكم البلاد -المغفور له- الشيخ عبدالله السالم، وسطر في
دستور 1962، الذي كما جاء في مقال جريدة الراي يسمح بالتطور إلى نظام
ديموقراطي ملكي دستوري كامل الدسم، ودولة مدنية بأحزاب تنافس ببرامجها في
الانتخابات ومجتمع مدني فاعل ونشط. لا بد أن يبرز السؤال: هل نحن مقبلون
على تغييرات في هذا النظام تعيدنا إلى الخلف بدلا من التقدّم إلى الأمام؟
هل نحن أمام احتمال استدعاء تطبيق النموذج المعمول به في البحرين، لتكرار
ما حدث عام 1976 بحل مجلس الأمة آنذاك وطرح مشروع تنقيح الدستور، اقتداء
بحل المجلس المنتخب في البحرين وتعليق دستور 1973؟

نظام دستوري

طوال الخمسين سنة الماضية تميز النظام السياسي في
الكويت عن بقية دول الخليج والجزيرة بأنه نظام دستوري يُدار بالقوانين،
ويسمح بهامش لا بأس به من الحريات.. حرية التعبير وحرية الصحافة وحرية
تكوين الجمعيات والنقابات، ثم زاد عليها تمكين المرأة من ممارسة حقوقها
السياسية، بالاضافة إلى مساواتها مع الرجل، وهي مكاسب للمواطن الكويتي تميز
بها عن دول المنطقة مما حقق له، الاستقرار وندرة استعمال العنف والقمع
وغياب ظاهرة مساجين الرأي، طبعا لم يكن ذلك بصورة كاملة فقد صادفت المسيرة
عقبات وعثرات لكنها بقيت متميزة عن دول الجوار.

هذا التميز كان مصدر قلق للأنظمة المحافظة وكانت تعتبر
الكويت استثناء ونظاما شاذاً، بمعنى الشذوذ عن قواعد ضبط الأوضاع في دول
المنطقة التي لا يسمح في بعضها حتى بتشكيل جمعيات النفع العام.

التجربة البحرينية

بالمقارنة مع ما توفر من استقرار أمني واجتماعي للكويت،
عانت البحرين من اضطرابات متواصلة منذ أيام هيمنة الضابطين الانكليزيين
بلغريف وهندرسون قبل الاستقلال إلى هذه الايام التي تشهد البحرين فيها
صدامات بين قوى الأمن والجماعات الشعبية المطالبة بالإصلاح السياسي.

في أيام بلغريف وهندرسون تعرضت القوى الوطنية الاصلاحية
للاعتقالات والمنافي كما حصل مع زعماء الاتحاد الوطني عبدالرحمن الباكر
وعبدالعزيز الشملان وكمال الدين ورفاقهم.

وبعد إعلان استقلال البحرين عام 1970وإعلان الدستور
وانتخابات البرلمان عام 1973وعودة الأحياء من المنافي، تنفس أهل البحرين
الصعداء بانبثاق عهد جديد، لكنه ما لبث أن عادت الأمور إلى سابق عهدها بعد
حل المجلس عام 1975، والعودة إلى استخدام العنف والاعتقالات والسجون وهروب
الناشطين إلى المنافي، واستمرت حالة عدم الاستقرار.

برنامج إصلاحي

بعد مجيء الملك حمد بن عيسى إلى سدة الحكم عام 1999بادر
بطرح برنامج إصلاحي توافقي عاد على أثره كل المنفيين في الخارج، وسمح
بتأسيس الجمعيات السياسية وطرح برنامج الميثاق الوطني كأساس للاصلاح حظي
بالاجماع، لكن عند إعلان الدستور تبين انه لم يكن متوافقا مع الوعود التي
تضمنها الميثاق الوطني، وكانت المطالب هي العودة لدستور 1973، لكن الدستور
تضمن إنشاء مجلس شورى معين يتقاسم سلطة التشريع مع المجلس المنتخب الذي
قيدت صلاحياته.

قاطعت بعض القوى السياسية انتخابات عام 2002 احتجاجا
على الخلل في الدستور، ثم عادت كل القوى للمشاركة في انتخابات 2006 ثم
انتخابات 2010.

كما عادت القوى السياسية للمطالبة بتصحيح الوضع والعودة
إلى ما يشبه دستور 1973، وانتقلت المطالبات إلى الشارع في فبراير 2011 مع
موجة الربيع العربي.

ومر الآن ما يقارب من السنتين والوضع في البحرين يزداد
اضطرابا، وهنا نعود لما أشار اليه مقال الرأي عن موقف الدول الغربية وعلى
رأسها الحكومة الأميركية والرئيس أوباما.

نصائح

جميع الحكومات الغربية تطالب البحرين وتنصحها باتخاذ
خطوات إصلاحية حقيقية لا قشرية، وفي خطاب أوباما عن حالة الاتحاد في يناير
2012، أشار لوضع البحرين مطالبا حكومتها بإجراء حوار جدي مع المعارضة، وشدد
على أن الحوار لا يكون مجديا والطرف المفروض محاورته موجود في السجن!

لكن الحوار لم يتم، وحتى بعد تشكيل لجنة تحقيق في حقوق
الانسان برئاسة الخبير بسيوني واصدارها تقريرها لم يؤخذ بتوصياتها، واستمرت
الاضطرابات بل زادت تأججاً.

وزاد على ذلك صدور أحكام قاسية على 13 شخصية سياسية تصل
إلى المؤبد، وكل الاحتمالات تشير إلى المزيد من تفاقم الوضع وإلى أنه لن
يتجه إلى التهدئة.

حكومات مجلس التعاون مازالت تتجه إلى التشدد وعدم الاخذ
بنصائح الحلفاء في دول الغرب بضرورة الانفتاح والتصالح مع الشعوب وإدخال
إصلاحات جادة.

الاتفاقية الأمنية

واتجهت أخيراً في اجتماع قمة البحرين إلى إقرار
الاتفاقية الأمنية والتي هي في جوهرها التشدد في تحصين وحماية الحكومات
والحكام واعتبار أي تعرض لانتقادهم جريمة يعاقب عليها القانون، هذا مثال
وضع البحرين وما يعانيه شعبها.

والسؤال الذي نواجهه في الكويت هو: هل نحن سائرون للأخذ
بالنموذج المعمول به في البحرين؟ مجلس منتخب من دون صلاحيات ونظام انتخابي
مفصّل لمصلحة أصدقاء السلطة؟

وهل الكويت في طريقها للتخلي عما تعتبره الأنظمة
المحافظة في الخليج حالة استثنائية مثيرة للقلق والتوجه إلى نظام متوافق مع
بقية الأنظمة في المنطقة؟

وهل التدرب الذي تقوم به القوات الخاصة باستخدام العنف
والقمع بالعصا الأمنية وترويض حراك الشباب وتعويد المجتمع على القبول بذلك
هو مشروع النهضة الذي وعدنا به؟

هذه مخاوف تنتاب من يتمعن في النظر إلى المشهد الكويتي الراهن.

مخاوف هل تتحول الكويت إلى بحرين 2.

ملاحظة:

أتمنى أن تصدر إشارة من الديوان الأميري تقول لأصحاب
اقتراح تغليظ عقوبة المساس بالذات الأميرية ان صاحب السمو لا يحتاج اضافة
الى ما أقره الدستور، وان الاحترام هو في الأساس في قلوب الناس.

بقلم عبدالله النيباري 

جريدة القبس