المنشور

الحرية ليست «ترفاً»… والحركة الحقوقية جزءٌ من «الربيع»

واجه الحركة الحقوقية في المنطقة العربية تحديات كثيرة على رأسها
المساهمة في دفع عجلة الإصلاحات وتقوية دور البرلمان والسماح للتعددية
الحزبية والإعلام الحر تحت ظل نظام حكم الفرد الواحد أو القبيلة الواحدة.

ولذا
فإن التحولات الراهنة التي تشهدها المنطقة العربية ترتبط حالياً بموقع
الحركة الحقوقية في الاستجابة بمدى فاعلية دعم تطلعات الشعوب العربية في
التغيير بكامل صوره وأشكاله على مختلف النواحي السياسية والاقتصادية وحتى
الاجتماعية. إن الحركة الحقوقية في المنطقة هي امتداد لحراك إنساني يدعو
إلى تعزيز مفاهيم وثقافة حقوق الإنسان التي تحفظ كرامة وحقوق المواطن داخل
مجتمعه؛ ولذا فإن الحراك الحقوقي في البحرين وتونس ومصر واليمن مطالب أكثر
من أي وقت بالتفاعل بصورة تدعم التطلعات المشروعة لمواطن الشارع بدءاً من
الشباب وصولاً إلى المرأة من أجل إرساء حقيقي لمؤسسات مجتمعية تدعم البناء
الديمقراطي الفعال لتشكيل سليم لنظام سياسي واقتصادي عادل بعيداً عن
ممارسات الفساد التي ترفع كفة فئة وترمي بكفة فئة إخرى.

ورأى مراقبون
مثل أستاذ القانون الدولي بكلية الحقوق في مراكش يوسف البحيري في بحث تكلم
عن «الحركة الحقوقية وتحولات الربيع العربي» نشره موقع منتدى ليبيا، أن
الحركة الحقوقية تعيش أمام محك المساهمة الفعالة في العملية الديمقراطية،
إذ كتب يقول «الحركة الحقوقية في المنطقة العربية اليوم أمام محك المساهمة
الفعالة في التدبير الديمقراطي في مجال تنظيم الانتخابات الديمقراطية وفي
ضمان شروط الحرية والنزاهة والشفافية، وذلك في أفق تحقيق التنمية السياسية
والاجتماعية والاقتصادية في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وخصوصا أن
الشعوب العربية أبانت عن وجود إرادة جامحة من أجل التحول الديمقراطي
والقطيعة مع الأنظمة السياسية الفاسدة». مضيفاً «فالعديد من المنظمات
الحقوقية في المنطقة العربية أفرزت نخبة انتهازية تدور في فلك الأنظمة
السياسية القائمة وقامت بترديد ونقل شعارات جوفاء ومفرغة من حمولتها
الديمقراطية إلى باقي الشرائح الاجتماعية، فوقع بالتالي تنافر بين الثقافة
المجتمعية السائدة والمؤسسات التي تشبه صوريّاً ما يوجد في الدول
الديمقراطية ولكنها معطلة عن العمل على مستوى الواقع».

إن الحركة
الحقوقية – بحسب البحيري – مطالبة بالتحسيس بدور إشراك جميع الأحزاب والقوى
السياسية في الانتقال الديمقراطي، وضمان تعبئتها للتحضير لانتخابات رئاسية
وبرلمانية حرة ونزيهة تتفاعل مع النضج والوعي السياسي للشعوب العربية إذ
تمثل الأحزاب السياسية حجر الزاوية الذي يقوم عليه بناء المجتمع
الديمقراطي، ولا يمكن الاستغناء عنها في تشكيل الرأي العام، وهي أيضاً شرط
لا غنى عنه في الممارسة الديمقراطية والتداول على السلطة.

إن رد
الاعتبار للتعددية السياسية وتفعيل دور الأحزاب السياسية، وخصوصاً بعدما
قامت بعض الأنظمة السياسية العربية في سياق الهيمنة والانفراد بالسلطة،
بالتضييق وقمع جميع الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات الحقوقية
والثقافية ولكل من يرغب في التأثير في المجتمع عموماً هي – بحسب البحيري –
طريقة لتعطيل دور الأحزاب في نشر الوعي السياسي وتحُول دون تمكين الشعوب
من ممارسة خياراتها من منطلق التعددية السياسية.

وفي اليوم العالمي
لحقوق الإنسان – الذي يصادف 10 ديسمبر/ كانون الأول من كل عام – أعلن
الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في خطابه الموجه إلى شعوب العالم أن
لكل إنسان الحق في أن يُعرب عن رأيه ويشكّل القرارات التي تؤثر في مجتمعه.
وهذا الحق مكرس في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما أنه مدمج في
القانون الدولي اندماجاً كاملاً، ولاسيما في المادة 25 من العهد الدولي
الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وهو ما يعني أن التضييق على كل أوجه وصور
التعبير معناه أن الأنظمة السياسية في منطقتنا العربية من الخليج إلى
المحيط مازالت لم تستوعب الدرس المنبثق من دروس الربيع العربي ألا وهو
الاقتراب من نبض الشارع الذي يريد أحداً يدافع عن حقوقه من خلال اعتبار
الحريات العامة أساساً للبناء الديمقراطي الحقيقي للمناخ الحر الذي يسمع
للجميع دون استثناء ولا يقصي أحداً.

إن الصفعات والإهانات والإذلال
والتشهير ومقاضاة المواطن سواء كان ناشطاً وطبيباً ومحامياً وصحافياً
ومعلماً وطالباً الخ، عبر استغلال القانون في محاكمات قضائية، لن تثني
الشعوب العربية عن الاستمرار في حمل ثقل التغيير الذي يحقق لها الكرامة
التي تتطلع لها وتطمح أن تعيشها في أجواء تعددية حقيقية بعيداً عن رموز
الفساد ويداً بيد مع الحركة الحقوقية في بناء دولة تحترم حقوق الإنسان
وحرية الرأي والعرق والمعتقد… لأن – ببساطة – ما حدث في هذه المرحلة ليس
«ترفاً»، تماماً هي الحريات العامة والمطالب الشعبية في كل شارع وزقاق
وميدان عربي.

ريم خليفة
صحيفة الوسط البحرينية