المنشور

الشراكـة ومــاذا بعـــــد..؟!


علينا ان نلاحظ بكثير من الانتباه هذا الكلام الكثير الذي يتم طرحه وتداوله في مناسبات كثر حول الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، او بين القطاعين العام والخاص لا فرق، وهو كلام يصب في اتجاه التأكيد على هذه الشراكة وعلى اهميتها وعلى بعدها الاستراتيجي والدور المحوري لها في مسيرة التنمية والاقتصاد والاستقرار، ووجدنا تصريحات من مختلف المستويات الرسمية حملت هذا المعنى اكد فيها المعنيون اهتمام الحكومة بالشراكة مع القطاع الخاص في اتخاذ القرار الاقتصادي وبتذليل المعوقات التي تعترض هذا القطاع وتحول دون تأدية دوره المأمول بكفاءة دون اعاقات او منغصات.
 
اذا كان علينا ان نلاحظ ذلك فانه علينا بالمقابل ان ننتبه الى ان «الشراكة» تعنى ضمن ما تعنيه التفاعل والتعاون المشترك وتوظيف الامكانيات لبلوغ الاهداف التي يلتقي حولها الشريكان، وان مضمون هذه العلاقة يوفر ميزة السماح لتدفق الافكار والرؤى والاقتراحات والمعلومات، ويفرض وجود روابط التكامل والتعاون والتنسيق والتشاور والاتفاق على التدابير والاجراءات واللوائح والمستلزمات التشريعية، وهو امر يشترط توفر سمات الندية والاستقلالية لكل من طرفي الشراكة ازاء الآخر.
 
اذا كنا قد لاحظنا ذلك، وانتبهنا الى مفهوم ومضمون الشراكة فانه لن يكون مستعصيا علينا ان ننظر بعين الريبة لحقيقة هذه الشراكة على ارض الواقع الملموس، ونستطيع اذا اردنا ان نتمعن في امور كثيرة، ولكن يكفى ان نتوقف عند البيانين الصادرين مؤخرا عن من يمثل احد طرفي معادلة الشراكة وهي غرفة التجارة ، اذا فعلنا ذلك فسنجد ان هذين البيانين يوحيان في اقل تقدير بان علاقة الشراكة هذه ليست نموذجية كما ينبغي، وان الحديث الذي يتكرر بشأن هذه الشراكة وعمقها ومتانتها هو امر موغل في الطموح اكثر من اللازم..!!
 
لا نريد استعادة ما جاء في البيانين وهو كثير ومهم ويستحق القراءة المتأنية، فالبيان الاول مضمونه يؤكد بان قانون العمل الجديد لم ينصف القطاع الخاص وان الكثير من مواده تختلف كليا عن تلك الواردة في مشروع القانون الذي اطلعت عليه الغرفة وابدت رأيها فيه!!، وازاء ذلك لم يكن بوسع الغرفة الا مناشدة سمو رئيس الوزراء اعادة النظر في بعض مواد هذا القانون الذي لم يمضي على صدوره الا شهور قليلة، وجاء مضمون البيان الثاني اعتراضا من الغرفة على قرار الجمارك زيادة الضمان النقدي في حالة عدم تقديم شهادات المنشأ للبضائع الاجنبية ، واكدت بان هذا القرار سيؤثر سلبا على حركة الاستيراد والتجارة وسيزيد من حجم المعاناة التي يتعرض لها القطاع الخاص التجاري وطالبت بالتشاور معها، واقترن ذلك بمناشدة اخرى لسمو رئيس الوزراء وقف القرار.
تلك عينة ليس الا، فالأمثلة كثيرة دالة في ابسط تحليل على ان الشراكة التي يجري الحديث عنها هي في واد غير ذي زرع..! وان الآليات القائمة حاليا التي يفترض ان تترجم هذه الشراكة هي آليات عقيمة وغير مجدية، وبالاخص تلك المتمثلة في اللجان المشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص الذي تمثله الغرفة، فهناك على سبيل المثال لجنة مشتركة بين الغرفة ووزارة العمل، واخرى مع شئون الجمارك، وثالثة مع وزارة البلديات، ورابعة مع وزارة الداخلية، وخامسة مع مجلس التنمية الاقتصادية وغير ذلك من اللجان التي ما انفك بعض الرسميون من وزراء ومسؤولين وبعض ممثلي القطاع الخاص على هامش كل اجتماع يصرحون ويؤكدون بان لجانهم هذه هي صورة من صور التواصل والتعبير عن وجهات نظر اصحاب الاعمال، وحل المشكلات التي يواجهونها وبالتالي هي معبرة عن الشراكة بين الطرفين..!
 
الغرفة التي يبدو ان الكيل قد طفح بها تساءلت في احد بيانيها عن جدوى اللجان المشتركة اذا كان التنسيق والتشاور والتوافق حول الموضوعات ذات الاهتمام المشترك التي تدرس وتبحث وتناقش لا تؤدي في المحصلة النهائية الى شيئ، وان مخرجات كل ذلك الجهد والوقت على ارض الواقع مختلف، اذن هو سؤال وجيه طرحته الغرفة.. ما جدوى هذه اللجان اذن؟! ليس واردا من حيث المبدأ ان نظن بمبدأ «الشراكة» سوءا.. ولكن المراقب المتأمل يستطيع ان يخلص بما لا يدع مجالا للشك بان ثمة خطأ واجب الرصد والتشخيص والمعالجة وان هناك معيقات لا زالت تقف بصلابة حائط الصين العظيم، الاسوأ انها لا تنحصر في حدود شراكة القطاعين العام والخاص فقط وحصريا، وانما هي تتجلى في اكثر من صورة، فكم من اطر تشكلت من لجان، ولجان مشتركة ولجان مؤقتة واخرى دائمة ولجان وطنية وفرق عمل ومجالس مشتركة ، ومذكرات تفاهم، واتفاقيات تعاون مشترك في مجالات شتى اقتصادية وتنموية واجتماعية وسياسية، اكتشفنا اولا بانها في الغالب الاعم صورة من صور الهدر في الوقت والجهد والمال، رغم كل اوجه التباهي والتفاخر بها في تصريحات وخطب في مناسبات عديدة، واكتشفنا ثانيا بان هذه الاطر او معظمها هي نفسها لم تثمر عن شيئ ..!! ، مما يدل بان آليات التعاون والشراكة عقيمة ومعوقة بنهج من الشكليات التي يجعلها عديمة الاستجابة في بلوغ الشراكة المنشودة والمستهدفة.
 
اذا اسهبنا في التقصي والتنقيب عن الكيفية والدوافع للجان والاطر التي تشكلت، واذا حاولنا ان نجرى عملية تحليل لمخرجاتها فسوف نجد ان القضية المطروحة كما قلنا ليست قضية لجان مشتركة او شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص ولا آليات عمل لا تثمر شيئا ولا اي شيئ من هذا القبيل، فهي وجه لحقيقة واحدة وهي اننا امام حصاد مسلسل من الاختلالات والمراوحات تتنوع حلقاته بين ما هو استراتيجي وما هو تنفيذي واجرائي، وما هو متصل بالرؤية المستقبلية، وما دامت الحكومة في سبيل مراجعة وتحديث كل ما يخدم مسار البحرين الاقتصادي والتنموي من تشريعات ونظم واهتمام بالتميز والتنافسية والانتاجية فعليها ضمن اي جهد يبذل في هذا السياق ان تسمح بتدفق الدم في شرايين الادارة العامة وتحسين طريقة صنع القرارات وتفعيل دائرة المشاركة والشراكة وترسيخ دائرة المشورة في كل المجالات.
 
حرر في 1 يناير 2013