المنشور

السنة الفارطة



أخوتنا
في المغرب العربي لا يقولون عن السنة التي انقضت إنها السنة الماضية أو
المنقضية أو السابقة، وإنما يفضلون القول: السنة الفارطة، تماماً كما
يقولون الشهر الفارط أو الأسبوع الفارط . في البدء “غوغلتُ” الكلمة، أي
بحثت عن معناها في “غوغل” – مُحرك البحث الشهير، فلم أجد ما يشفي غليلي،
ففضلتُ أن أذهب إلى “مختار الصحاح” طالباً الاستشارة عن جذر هذه الكلمة،
فوجدتُ، ما أنا على يقين منه، من أنه حتى في الكلام الدارج في أقطار المغرب
العربي تُوجد كلمات فصحى، تبدو لنا نحن في المشرق معجمية، ولكن الكلمة ما
إن تخرج من المعجم إلى الألسن حتى تدب فيها الحياة، وتسقط عنها الهالة
القاموسية التي تبدو لمن لا يستخدمها .


أفسد
“مختار الصحاح” الفكرة التي في ذهني حول مضمون هذا المقال، فلا أعرف لماذا
أردت إقامة صلة بين الفارط من الزمن وبيت التفريط، وقصدي بالتفريط هو ما
اعتدنا على قوله، مثلاً: “لقد جرى التفريط بالفرصة” حين نتحدث عن إضاعة أو
تضييع الفرص .


أما
الفكرة التي كانت في ذهني فهي محاولة الربط بين السنة الفارطة التي انقضت،
أو فَرَطَتْ، للتو وبين الفرص المُفَرط فيها في هذه السنة . وأعني بها
الفرص التي يسَّرتها المتغيرات التي شهدها العالم العربي بدءاً من العام
،2011 والذي كففتُ شخصياً، شأن الكثيرين، عن وصفها بالربيع العربي، بعد أن
تحولت إلى خريف أو شتاء كئيب طويل .


ينصرف
الذهن عند الحديث عن الفرص المفرط فيها إلى كل بلد عربي شملته هذه
المتغيرات، ولن تتسع المساحة لتعداد الأمثلة والشروحات، لكن الذهن ينصرف،
قبل أي مكان آخر، الى المحروسة مصر، لأنها المثل الصارخ على التفريط
بالفرص، التي كانت سانحة لنقل أهم بلد عربي على الإطلاق نحو المستقبل، وهو
البلد الذي كان على الدوام أكثر بلداننا قرباً من هذا المستقبل، وأكثرها
تهيؤاً للإيفاء بموجباته .


حكينا
هنا كثيراً عن خطايا “الإخوان المسلمين” بحق مصر في العام المنقضي، كونهم
مسؤولين بالدرجة الأولى عن حال الانقسام العميق الذي أحدثوه في نسيج
المجتمع، لكن هذا لا ينسينا خطيئة القوى الديمقراطية والمدنية التي عجزت،
مثلاً، عن الالتفاف حول مرشح رئاسي واحد، وفرطت في فرصة كسب رهان كان
متاحاً لها لو أنها امتلكت بُعد البصيرة .


ونسأل: أتُراها استوعبت الدرس؟