المنشور

جناح المنصف و”حضن” النهضة



ثمة
التباسات عدة في حياة المنصف المرزوقي رئيس تونس الجديدة، مع أننا لا نعرف
إذا جاز وصفها بالجديدة، فالجدة ليست في الزمن، إنما في مضمون الزمن،
ولسنا نحسب الزمن التونسي الراهن جديداً، إذا ما نظرنا إليه من منظور
الحداثة والتقدم، وهما ما كانت تونس قد بلغت فيهما شوطاً يعتد به، فإذا
بمهمة من يحكمونها اليوم العودة بهذا الشوط إلى الخلف لا الذهاب به إلى
الأمام .


تقاطعت
محطات من حياة المرزوقي مع سيرة شخصيتين عالميتين عرفتا بالنضال من أجل
العدالة الاجتماعية والحرية لشعبيهما، ففي عام 1970 شارك في مسابقة عالمية
للشبان بمناسبة مئوية المهاتما غاندي لتقديم نص عن حياة الرجل وفكره، فازت
مشاركته ليحل ضيفاً في الهند يتجول فيها من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب،
وفي عام 1994 يسجنهُ نظام زين العابدين بن علي في زنزانة انفرادية، لكن
تدخلاً حاسماً من الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا أدى إلى الإفراج عنه بعد
أربعة شهور .


في
ملابسات أخرى، لو أن المنصف المرزوقي عاف حضن “النهضة” الخانق، وحلق
بجناحه في الفضاء الرحب لتونس، لكان استقبل بالزهور في مدينة سيدي بوزيد،
حيث الشرارة التي أطلقت الثورة، التي كان المرزوقي، حكماً من مجمل سجله
النضالي والحقوقي، أحد دعاتها .


كانت
أم أحد شهداء الثورة قد طالبته، غاضبةً، بنزع صورة ابنها من صدره، وفي
أيدي من أراد أن يخاطبهم في ذكرى الثورة لم تكن ثمة زهور ليرشقوه بها .
كانت هناك حجارة قذفها بوجهه الغاضبون وهم في ذروة مراراتهم من الحصيلة
البائسة لمن استولوا على الحكم في تونس، الذين كان المؤمل منهم العمل على
تحقيق أهداف الثورة، لا الانشغال بتثبيت أقدام “النهضة” في الحكم .


ساكن
قصر قرطاج الجديد الذي يتعفف عن وضع ربطة العنق، إمعاناً في إبراز
شعبويته، ويصر على أن تظل على كتفه العباءة التونسية التقليدية، ليبدو
واحداً من الشعب، لا رئيساً له، ليس هو المسؤول عن إخفاقات الحكم، فهو
يعلم، كما يعلم كل التونسيين وكل الناس خارج تونس أيضاً، أن مفاصل الحكم
ليست بيده، إنما بيد راشد الغنوشي الذي نصبه رئيساً، ولهذا السبب، بالذات،
فإن غضب الناس منه يبدو مضاعفاً: كيف ارتضى أن يقدم بتاريخه صك براءة
للنهضة في أن تنفرد بتونس، التي ثارت لتنهي حكم الفرد لا لتستبدله بآخر؟