المنشور

شروط ما قبل الحوار

ما إن صدرت بعض التلميحات من جهات رسمية بأهمية الحوار للخروج من الأزمة
السياسية، حتى أخذ البعض في وضع العراقيل والشروط التعجيزية بهدف وحيد، هو
إفشال أي حوار مقبل حتى قبل البدء فيه، أو إلغاؤه من أساسه.

وعلى
رغم عدم وجود ما يشير إلى نية حقيقية وصادقة في إجراء حوار جدي بين أطياف
المجتمع والحكم؛ فحتى الآن لم يصدر بيان رسمي يؤكد أو ينفي مثل هذا التوجه،
إلا أن البعض أخذ يستبق الأمور، عبر فرض شروط مسبقة ووضع سقف محدد للحوار
ورفض مطالب معينة، فليس من المقبول لديه الحديث عن المملكة الدستورية أو
تعديل الدوائر الانتخابية لتكون أكثر عدالةً!

مثل هذه الشروط تُنبئ
بأن هناك من لا يريد الحوار؛ لأنه قد ينهي حالة الاستفراد بالوطن التي
استمرت لأكثر من عامين، تم خلالها تغييب طائفةٍ بكاملها، ليس من المشهد
السياسي فقط وإنّما من المشهد العام للدولة، فليس هناك إلا مكوّنٌ واحدٌ،
وصوتٌ واحدٌ يختصر الوطن بكامله.

أول هذه الشروط هو وقف العنف المضاد
في الشارع، ومع رفضنا التام لأي عنف أو عنف مضاد ومهما يكن مصدره، إلا أنه
ليس من مسئولية الجمعيات السياسية وقف ذلك، وليس باستطاعتها القيام بذلك
في هذه الفترة بالذات، فلقد وصل الناس إلى مرحلة من اليأس والإحباط نتيجة
فرض الحل الأمني وسقوط المزيد من الضحايا، في حين أن الدولة لم تقدّم ما
يعيد الثقة إلى الناس؛ وعلى رغم تعهداتها بتنفيذ العديد من التوصيات التي
خرجت بها لجنة تقصي الحقائق، وتوصيات المراجعة الدورية لحقوق الإنسان في
جنيف، ورغم تأكيدها تنفيذ الكثير من هذه التوصيات؛ فإن المواطن لا يرى ما
تمَّ إنجازه من هذه التعهدات حتى الآن، وأولها محاسبة المسئولين عن حالات
القتل والتعذيب خارج القانون.

فإن كانت الجمعيات القريبة من السلطة
تضع شرط إيقاف العنف في الشارع قبل الدخول في أي حوار سياسي؛ فإن من
مسئولية هذه الجمعيات؛ مطالبة السلطة بوقف عنف سلطات الأمن ووقف جميع أشكال
انتهاكات حقوق الإنسان، سواءً عند اعتقال المحتجين أو المشاركين في
المسيرات السلمية أو في مراكز الشرطة، لكي يكون لها الحق في المشاركة في
الحوار.

وفي حين أصدرت الجمعيات السياسية وثيقة نبذ العنف، والتي
تعهّدت من خلالها باتباع الأسلوب السلمي في عملها؛ فإن الجمعيات القريبة من
السلطة لم تصدر ولا حتى بياناً واحداً يدين العنف المستخدم من قبل رجال
الأمن مع المتظاهرين، أو الاستخدام الواسع للغازات المسيلة للدموع على
الأحياء السكنية والقرى، فضلاً عن استخدامها طلقات الشوزن المحرّمة
دوليّاً؛ هذا العنف الذي تم توثيقه بالصوت والصورة وانتشر عبر وسائل
الاتصال، استدعى وزارة الداخلية إصدار العديد من البيانات التي تؤكد فيها
تحويل المتورطين من رجال الشرطة في هذه القضايا إلى التحقيق، فهل أدانت
الجمعيات السياسية الموالية ذلك ولو لمرةٍ واحدة؟

جميل المحاري
صحيفة الوسط البحرينية