المنشور

وجها مراكش



حثتني مراكش على أن أعود لقراءة ما كتبه عنها جورج أوريل الذي أتاها في نهاية ثلاثينات القرن العشرين، متفرغاً لكتابة إحدى رواياته . 


هناك كتب مقالته “مراكش 1939”، التي لم يصف فيها الوجه الجميل للمدينة، وإنما اختار أن يتحدث عن أزقتها الخلفية حيث المقابر والمتسولون والباعة المتجولون والذباب والسحرة الذين يفترشون ساحة جامع الفناء الشهيرة في قلب المدينة العتيقة، وآلاف الفقراء الذين لا يملكون سوى أسمالهم، وعن يهود المدينة المتوشحين في ثياب طويلة وقلنسوات ضيقة سوداء اللون، يعملون في مقصورات معتمة وموبوءة بالذباب  تتراءى ككهوف . 


أكان أوريل، وهو يكتب عن المدينة، خالياً من نزعة الاستعلاء الاستشراقي الغربي، أم أنه كان يصف بصدق ما يراه، حين أخفق في الإفلات من المقارنة بين شمال أوروبا حين تقترن صورة الحقل بالفلاح الذي يحرث فيه، وبين أي مكان جنوب جبل طارق، حيث ترى كل شيء إلا البشر، وحيث لون بشرة الفلاح هو لون الأرض نفسه . 


ماذا تعني المغرب لفرنسي، يتساءل أوريل: “بستان برتقال أو عمل في سلك الخدمة الحكومي، أو ماذا تعني لإنجليزي: جَمال وقلاع وشجر النخيل  وأعضاء فيالق أجنبية وصواني النحاسيين وقطاع الطرق . بإمكان المرء على الأرجح العيش هنا لسنوات من دون أن ينتبه أنه بالنسبة لتسعة أعشار من الشعب واقع الحياة هو صراع لا ينتهي وكاسر للظهر في استخلاص قليل من الطعام من تربة متآكلة” .


هناك وجه المدينة الآخر الذي لم يَره أوريل أو لم يشأ، فهي المدينة التي يعشقها أثرياء فرنسا الذين جعلوا منها مدينة إقامتهم بعد أن يتحولوا إلى المعاش، والمنتجع الذي يقضون فيه عطل أعياد الميلاد ورأس السنة وأيام نهاية الأسبوع، وعليها  تتوافد كبار الشخصيات السياسية والمالية الفرنسية، الذين يملكون في أحيائها الراقية الفلل الفاخرة والرياض الغناء والضيعات الشاسعة، فيما تعج أطراف مراكش بالفئات المحرومة من الحقوق والرعاية . 


في مراكش، كما في كل مدن المغرب، فاز الإسلاميون في الانتخابات التشريعية، مستفيدين من فوز نظرائهم في مصر وتونس، لكن برأي مؤلفي كتاب جديد عنوانه: “باريس مراكش  المغرب آخر مستعمرة فرنسية”، هما  علي عمار وجان بيير توكوا، فإن هذا الفوز محدود ولن يؤثر في الطبيعة المنفتحة للمجتمع، ثم إن الإسلاميين أظهروا أنهم براغماتيون بما فيه الكفاية .