المنشور

ضرر الورقة البيضاء

تعتبر مقاطعة الانتخابات في البلدان الديموقراطية أسلوباً من أساليب العمل
السياسي الاحتجاجي، والمقاطعة قد لا تفشل الانتخابات تماماً أو تمنع
العملية الانتخابية، ولكنها رسالة سياسية يقصد منها الرفض والاحتجاج على
اجراء ما أو ممارسة فيها مخالفات اجرائية أو دستورية أو تفتقد للنزاهة…
الخ.


ومن الطبيعي أن يكون هناك مؤيدون ومعارضون للمقاطعة، ومن الطبيعي كذلك أن
يستخدم كل طرف وسيلته لاقناع الناخبين والمرشحين أما بالمشاركة أو
بالمقاطعة.


وقد اعتادت بعض أطراف الليبرالية في النظام الرأسمالي في العالم على
المعارضة أو النضال النظيف، كمن يريد خوض بركة ماء ووحول دون أن يتسخ ثوبه،
بينما أي نضال سياسي أو جماهيري يحتاج الى عمل حقيقي على الأرض حتى وان
كانت التبعات مجهدة ومتعبة أو مواجهة لقمع وتعسف، وهذه الأطراف هي التي
يسميها الشعب المصري «حزب الكنبة».


ومن الأساليب التي اعتادتها هذه الأطراف في مقاطعة الانتخابات استخدام
الورقة البيضاء في صناديق الاقتراع، وترفض ما تسميه أساليب الغوغاء والعامة
وبالتعبير الكويتي «الهيلق»، بل لا تريد الاختلاط بالعامة والدهماء خوفاً
من اتساخ الثوب وتعمل بعزلة دون ضجيج أو تنتظر.
وتعتقد هذه الأطراف أن القاضي في لحظة الفرز وعندما يخرج ورقة بيضاء من
الصندوق سيقول بأعلى صوته «ورقة معارضة»، لكنه في واقع الحال سيقول «ورقة
لاغية» مثلها مثل الورقة التي تحمل ترشيحات أكثر مما هو مقرر بالقانون.
ليس هذا فقط، ولكن المشاركة في الورقة البيضاء ستعني في النهاية «زيادة
نسبة المشاركة في الانتخابات» وزيادة الاقبال على صناديق الاقتراع، اذا هو
عمل ضد المقاطعة أو لا يحقق الهدف منها بل يسهم في دعم المشاركة ويشق الصف
الجاهيري المعارض أو يضعفه.
فالحراك الشعبي الأخير «مسيرة كرامة 2» أفرز قادة جماهيريين ميدانيين
وسياسيين حقيقيين، لم يستنكفوا لبس الملابس الرياضية والاختلاط بالجماهير
سواء اتفقنا معهم أم لم نتفق، لكن هكذا هو النضال أو العمل السياسي يكون مع
الجماهير وحيث هي أو حيث توجد، وليس الخشية من التلوث بعرق «العامة».
اذاً المقاطعة لا تحقق رسالتها بالأمنيات ولا بالاحتجاج الذاتي الداخلي ولا
باشعال الشموع، رغم أننا لسنا ضد رمزية الاحتجاج ان تطلب الأمر ذلك، لكن
الرسالة تتحقق بالتشمير عن السواعد والعمل على أرض الواقع، كما فعلت مجموعة
من الشباب عندما شكلوا «اللجنة الشعبية لمقاطعة الانتخابات» هدفها التوعية
والتعبئة، والتي حظيت بقبول من عشرات الآلاف من المواطنين في حساب التويتر
الخاص بها.
وفي النهاية فإن المشاركة والمقاطعة هما خيار وحق.

وليد الرجيب