المنشور

المغامرون



في 20 يوليو/تموز من عام 1971 افتتحت شركة البحرين
للسينما التي تأسست في عام 1967 برأسمال قدره 750,000 دينار، المباني الجديدة
لسينما أوال بشارع الزبارة الذي كان يعد آنذاك أحد مراكز الثقل الثقافي في
البحرين، حيث كان يضم بين جنباته اثنين من كبار الأندية التي تضم شريحة مهمة من
النخبة الثقافية البحرينية هما نادي العروبة ونادي الأهلي. وكانت الشركة قد افتتحت
قبل ذلك وتحديداً في 8 يونيه/حزيران 1968 مسرح سينما أوال كأول مسرح مكيف في
البحرين. وكان أول فيلم تعرضه سينما أوال في مبناها الجديد في عام 1971 فيلم “قصة
حب” (Love Story) الشـهير.
أما الفيلـم الثانـي الذي تـلاه مباشـرةً فقـد كـان فيـلم “المغامرون” (The
Adventurers) الذي أُنتج في عام 1969، وكان
يحكي “ملحمة” الانقلابات العسكرية الدموية في أمريكا اللاتينية، حيث
تدور قصة الفيلم حول دبلوماسي من إحدى جمهوريات الموز بأمريكا اللاتينية كان
منغمساً في ملذات حياة الليل في أوروبا حيث كان يفترض فيه تمثيل بلاده، فإذا به
يكتشف أن الصديق الحميم لوالده والذي وصل إلى السلطة أصلاً بمساعدة والده قد نفذ
مؤامرة اغتيال لوالده بطريقة وحشية، فيحدث أن يقرر الابن ترك حياته المترفة في
أوروبا والعودة إلى بلاده لقيادة ثورة ضد النظام ورئيسه ثأراً لأبيه، ليكتشف فيما
بعد أن الأمر ليس بتلك البساطة التي تصورها، حيث يلقى نفس الحتف الذي لقيه والده
قبله. 
  
قصة الفيلم لم تكن قصة مثيرة حافلة بالمغامرات
والغراميات خالصة، فلقد أراد مخرج روايته لويس جيلبيرت التي كان كتبها هارولد
روبنز، أن يبعث برسالة قصيرة “إلى من يهمه الأمر”، مفادها بأن الثورة
تأكل أبناءها. والطريف أن مخرج الفيلم اعترف في لقاء أجرته معه إذاعة بي.بي.سي في
25 يونيه 2010 بأنه فيلم فظيع وانه ما كان يجب عليه إخراجه وهو بالتالي غير فخور
به أبداً. 
  
بعيداً عن تخرصات مخرج الفيلم التي جاءت متأخرة جداً بعد
صناعته للفيلم (حوالي 40 عاماً)، فإن المغامرة (Adventure) التي هي
عبارة عن إتيان فعل غير محسوب العواقب بما ينطوي عليه من قدر معين من الخطر، يكبر
ويصغر بحسب نوع المغامرة، والتي تعج بها أشرطة الحياة اليومية لبني البشر على
المستويات الشخصية والاعتبارية (مغامرات أصحاب الرساميل من أفراد وشركات وصناديق
في أسواق المال والسلع والقطع الأجنبي العالمية)، فإن هذه المغامرة حين يتوسلها
الساسة فإنهم ينقلونها إلى أجواء أكثر خطورة وإثارةً ورعباً، ويعطونها أبعاداً
جديدة تتخطى الحيز المصلحي (الاقتصادي) الضيق إلى الجوانب الأخرى “الأكثر
رحابة” .. اجتماعياً وثقافياً ونفسياً. 
  
فهل في السياسة ما يمكن أن نعتبره مذهباً مغامراً. 
  
نعم هذا ما تُنبئنا به الوقائع التاريخية المتفرقة عبر
العصور، وهذا ما يعتقد به بعض مفكري المذهب البراغماتي وبعض مؤرخي العلاقات
الدولية والتاريخ البشري عموماً مثل نورمان باتريك بيريتور الذي يرى في مؤلفه
“المغامرات في النظرية السياسية” (Adventures in Political Theory) أن بعض الممارسات السياسية الصانعة لتاريخ المجتمعات البشرية،
ينطوي على قسط من المخاطرة والمغامرة. 
  
وبالفعل فهناك عدد لا يستهان به من الساسة الذين يحاولون
استعارة أسلوب بعض المسـتثمرين المغامـرين، من أفراد وصنـاديق اسـتثمار ومؤسسات
ماليـة، في أخـذ قسط من المخاطرة والمغامرة المالية لقاء رفع نسبة العائد على
الاستثمار (Return on Investment)، مع أن
المغامرة في السياسة تختلف عن المغامرة في أسواق المال من حيث أن الأولى تطاول
مصالح الناس ومصائرهم أما الثانية فتنحصر في دائرة صاحب أو أصحاب الحيازة المالية. 
  
على هذا الأساس ذهب بعض المحللين والمتابعين للشأن
التركي في الآونة الأخيرة لوصف توجهات السياسة الداخلية والخارجية لتركيا
بالمغامرة (بكسر الميم)، وتشبيه أداء رئيس حكومتها رجب طيب أردوغان النازع في
الآونة الأخيرة للرعونة والخفة في التعاطي مع التحولات الشرق أوسطية، بأداء بعض
القادة المغامرين الذين أفرزتهم أحداث السنوات الأخيرة في آسيا الوسطى وبعض أنحاء
أفريقيا وأمريكا اللاتينية. فقد كانت لافتة نقلته النوعية المفاجئة من زعيم حزب
حاكم ورئيس حكومة اتصف أداؤه بالهدوء والقوة والتوازن إلى زعيم ثائر يكاد يزج
ببلاده في توريطات مغامرة هي في غنى عنها .. على النحو الذي فعل جنرالات باكستان
حين وافقوا تحت إغراءات الأوهام على تحويل بلادهم إلى قاعدة انطلاق للحرب المقدسة
ضد السوفييت في أفغانستان، فإذا بها اليوم تتحول إلى قاعدة متقدمة لإنتاج وتصدير
الإرهاب المدمر. البعض شبه مغامرة أردوغان الشرق أوسطية بعد فشل مغامرته الأوروبية
(في الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي) بمغامرة الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي
حين قرر احتلال أوسيتيا الجنوبية في 23 مارس 2009، وذلك في إشارة إلى التساؤل حول
ما إذا كان “الناتو” قد دفع أردوغان لإجبار طائرة الأيرباص 320 التي كانت
قادمة من موسكو إلى سوريا وعلى متنها 30 راكباً، على الهبوط في أراضيها ومصادرة
حمولتها والاعتداء على طاقمها وركابها، بما في ذلك محاولة إجبار ركابها وطاقمها
على توقيع أوراق تفيد بأن الطائرة قد هبطت اضطرارياً، وعلى نحو الاستباحات
المتكررة التي يقوم بها الجيش التركي لمناطق الشمال العراقي. ويرى بعض المحللين
بأن تركيا ما كانت لتقدم على هذه المغامرة من دون تحريض من واشنطن والناتو.