المنشور

حديـــــث التوافــــــــــــــق

في الاسبوع المنصرم برزت بعض العناوين في تصريحات وخطابات بعض أطياف
المعارضة على ضفتي الانقسام المذهبي يمكن، إذا ما توفرت الإرادة السياسية،
التأسيس عليها لصياغة خطاب موحّد افتقدته الساحة الوطنية منذ تداعيات أحداث
فبراير من العام المنصرم، وهي تتلاقى مع مضامين خطاب جلالة الملك في
افتتاح دور الانعقاد الجديد للمجلس التشريعي فيما يتعلق باستعداد السلطة
لأي حوار وطني.
هذه العناوين تضمنها بيان «تجمع الوحدة الوطنية» الذي جاء فيه بأن
«المشروع السياسي للتجمع ورؤيته لحل الأزمة يدعو إلى حكومة تمثل الإرادة
الشعبية، مُساءلة ومحدودة المدة، ومجلس برلماني كامل الصلاحيات وقضاء
مستقل»، وفي كلمة الأمين العام لجمعية «الوفاق» في المعامير التي جاء فيها
أن «المطالب المحورية هي حكومة منتخبة ومجلس برلمان كامل الصلاحيات وأمن
للجميع»، وهي مطالب تتفق عليها كافة أطياف العمل السياسي من خارج إطار
التجمع وتحالف الوفاق، فهي في صلب أهداف «المنبر التقدمي» وهي في مضمون
مبادرة ولي العهد، والقوى والشخصيات الوطنية التي تناضل من أجل ترسيخ
الوحدة الوطنية وانتشال الوطن من هاوية الطائفية والعنف، ولتفعيل العمل
الوطني الجامع تعزيزاً لمكاسب الشعب في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ومن المؤشرات الإيجابية تصريح أحد قادة «وعد» بأن الحل ينبغي أن يكون
بحرينيا، وحديث علي سلمان حول ضرورة «التفكير في التوافق، وأن نحقن دماءنا،
وأن نتوافق في تطوير بلدنا والتنمية الاجتماعية… «لقد بحت أصوات
الكثيرين وهم ينادون بالتوافق وتهدئة الأجواء لأن أحداً لا يستطيع التحدث
منفردا باسم الشعب، وأن في الوطن شركاء وهم قوى محسوسة ومؤثرة ولهم رؤاهم
فيما يطرحه الطرف الاخر وسبل تحقيقه. وإذ وصلنا اليوم إلى مفهوم التوافق
وضرورة «حقن الدماء» فإن أول ما يفرضه هذا الفهم هو احترام إرادة الآخرين
في شكل العمل السياسي لتحقيق ما أظهرته التصريحات من اتفاق على المطالب
الإصلاحية الرئيسية، وفي الامتناع عن وصف الحراك السياسي المعارض بالثورة
وبالتالي تهدئة الشارع والتوقف عن شعارات الإسقاط وما يترتب عليها من عنف
وعنف مضاد، واتخاذ الخطوات الضرورية لطمأنة «شركاء الوطن» من أن الحل ينبغي
أن يكون بحرينيا دون ضغوط وإملاءات وتدخلات خارجية، ومن أن مرجعية الحراك
السياسي هو الوطن.
وليكون للحديث عن «الشركاء في الوطن» ودعوتهم الى التوافق مردوده الإيجابي
في محنتنا الوطنية القائمة لا بد من التوقف عن احتكار دور المعارضة ووصم
الآخرين بالموالاة، إذ يفرغ هذا الموقف الحديث الجميل عن التوافق من محتواه
ويسلب الآخرين حقهم في اختيار الوسائل النضالية المناسبة بالنسبة لهم
ويجعلهم هدفاً للتطاول والاتهام بالعمالة والتخاذل. ليس في مطالب «الوفاق»
وحلفائها ما يميّزها عن مطالب الأطياف السياسية الأخرى. هناك توافق في
المجتمع على صلاحيات البرلمان واختيار الحكومة واستقلال القضاء وهو توافق
كرّسه ميثاق العمل الوطني وتظهره الأدبيات والمواقف السياسية لمختلف القوى
المجتمعية.
ليست المعضلة في المواقف والمطالب السياسية وإنما في سبل تحقيقها بين طرف
يصرّ على استنفار قسم من الشارع وتجييشه بأمل انتزاع المطالب اليوم وقبل
الغد لأن في الغد نهاية الدنيا، ويطالب باعتماد مرجعيته للحوار وتلبية
مطالب معينّة قبل السير في أي حوار، والتي يمكن أن تكون على جدول أعمال
طاولة الحوار وقابلة للتحقيق حين تهدأ النفوس ومن خلال الحوار نفسه، وطرف
يتبنى أغلب المطالب ويسعى إلى تحقيقها ولكن بالوسائل المشروعة الجامعة ومن
خلال عملية تراكم الإنجازات باعتبار أن عملية الإصلاح مهمةّ معقّدة ولا
تستحمل حرق المراحل لاعتبارات وطنية وإقليمية، وبسبب الخوف الذي يلف الوطن
من الانقسام الطائفي إذا ما استمرّت حالة التوتر والحشد المذهبي من أية
جهة لها مصلحة في هدم الصرّح الوطني المعمّد بدماء وعرق أجيال متتالية نجحت
في الحفاظ على الوحدة الوطنية وتوظيفها في النضال من أجل التحرر والتطور
السياسي والاجتماعي.
نتمنّى مع المخلصين أن يتوجّه العمل السياسي إلى الابتعاد عن الأوهام
والنرجسية وأن يرتبط أكثر بالواقع وقوانينه من أجل خلق توافق حقيقي ومتكافئ
في الأهداف وفي أسلوب العمل وقد نضجت الظروف لذلك.