المنشور

الجيل الجديد في الخليج



ذات
مرة أجرت إحدى الصحف استطلاعاً عن هموم وتطلعات وأفكار الشباب في ذلك
البلد تضمن أسئلة حول »الميول والسلوكيات والمشاعر الذاتية والاتجاهات
والآراء العامة«، وهذه النتائج تقدم مؤشرات مهمة عن الأمور التي تشغل أبناء
وبنات هذا البلد الخليجي من الجيل الجديد، وطبيعة الهموم التي تستحوذ على
أذهانهم، وكذلك الطريقة التي ينظرون بها إلى العالم والأحداث من حولهم،
وشدّتني خلاصة ميل الغالبية الساحقة ممّن أجريت عليهم الدراسة نحو تأييد
سياسة انفتاح دولتهم على العالم، حيث أيّد أكثر من 85% من الشباب هذه
السياسة، ويشير محللو الدراسة إلى أن هذه المسألة بالذات، من بين المسائل
الأخرى التي شملها الاستطلاع، حظيت بهذه النسبة العالية من التأييد، ما
يعطي فكرة عن الظروف الجديدة التي يتشكّل فيها جيل اليوم، الذي يمكن
اعتباره إلى حدود كبيرة نتاج مؤثرات ثقافية ومعلوماتية متعددة تتيحها الحال
الراهنة من انفتاح العالم وتفاعل ثقافاته وأفكاره، وهي تعطي فكرة أيضاً عن
طبيعة التكوين الثقافي والنفسي والاجتماعي للجيل الجديد لا على مستوى بلد
خليجي بعينه وإنما على المستوى العام لكل بلدان هذه المنطقة .


وقد
عدتُ، بالمناسبة، إلى قصاصة أحتفظ بها عن تحقيق كانت صحيفة عربية قد أجرته
منذ سنوات عن الطريقة التي يصنع بها جيل اليوم أحلامه وأوهامه، وكيف يبلور
الشبان والشابات التحولات التي يمرون بها، واختار من أجرى التحقيق نماذج
محدودة، ولكنها مأخوذة من بيئات اجتماعية مختلفة، بحيث يمكن القول إنها
تعطي مؤشرات عن نمط تفكير الجيل العربي الجديد، وكان محور الاستطلاع يدور
حول سؤال محوري هو: »أي صورة يتمناها الشاب، أو الشابة، عن نفسه، وأي شاب
يطمح أن يكون؟«، كان هدفي من هذه العودة إلى تلك القصاصة، عقد مقارنة بين
الطريقة التي فكر فيها المشاركون في تحقيق تلك الجريدة، وبين الطريقة التي
يفكر فيها شباب الخليج اليوم .


والحق
أنني لاحظت فروقات معيّنة عائدة إلى طبيعة البيئة الاجتماعية التي أجري
فيها التحقيق، وهي بيئة لبنان تحديداً، عن البيئة الاجتماعية والثقافية في
الخليج . فعلى سبيل المثال لاحظت أن المدينة، في حال لبنان، تمثل حلم
الشباب والشابات الذين وُلدوا أو نشأوا في القرى أو الأطراف، والمقصود
بالمدينة هنا العاصمة تحديداً، حيث السينما والمقهى والعلاقات الرحبة
والصداقات . 


لكن
الباحثين في علم الاجتماع يصفون دول الخليج الصغيرة بأنها الدولة المدينة،
حيث تتشكّل الدولة ذاتها حول محيط العاصمة وتُعد امتداداً لها للدرجة التي
يصعب الحديث فيها عن أطراف ومركز بالطريقة المعهودة في الدول العربية،
وغير العربية الكبرى، ويواجه هذا الجيل، كما تدل على ذلك التطورات الجارية
أسئلة مفصلية تتصل بعجز البرامج التعليمية عن استيعاب طموحات هذا الجيل من
جهة، والتطورات المذهلة في المعرفة والعلوم من جهة أخرى، فضلاً عن توفير
فرص العمل للآلاف المؤلفة التي تخرجها الجامعات والمعاهد العليا سنوياً،
ناهيك عن نظرائهم ممن لا تتيح لهم ظروفهم المعيشية الخانقة مواصلة تعليمهم،
وتعجز سوق العمل عن استيعابهم حتى في الوظائف متدنية الدخل، فحسب دراسة
أجرتها مؤسسة الخليج للاستثمار فإن البطالة بين فئات الشباب في بعض دول
الخليج تكاد تصل إلى 30% وهذه نسبة عالية في مجتمعات يشكل الشباب ممن هم من
دون الثلاثين من أعمارهم غالبية سكانها .