المنشور

القوة ليست مصدراً للحق

هناك وجهات نظر متناقضة حول مفهوم «الحق» و «الصح». فمن جانب هناك من
يرى بأن الحق إنما هو وليد للقوة، وهذا الفهم كان موجوداً في المجتمعات
البدائية التي كانت تعطي صاحب القوة الجسدية (أو من يمتلك القوة القاهرة أو
الغاشمة) كلمة الفصل. ولكن هذه المدرسة غير الإنسانية وجدت لها فلسفة
تدعمها في القرن التاسع عشر وذلك تأسيساً على نظرية التطور البيولوجي التي
طرحها داروين، والتي تتلخص في أن «البقاء للأقوى».

الذين نقلوا نظرية داروين من علم الأحياء إلى الفكر السياسي رأوا بأن
«القوة هي الحق»، وهذه المدرسة ترفض الطرح الذي يقول إن هناك حقوقاً طبيعية
للإنسان مستوجبة له منذ ولادته، وإن هذه الحقوق غير قابلة للنقاش. المدرسة
التي طرحت أن «القوة هي مصدر الحق» تسببت في المآسي التي تطورت إلى مذابح
وحروب إقليمية وعالمية، وأنتجت هذه الثقافة نظماً شمولية أعطت لنفسها الحق
في فرض قياس خاص للحق، معتمد على القوة المطلقة. والأسوأ في كل ذلك أن
أتباع هذه النظرية لديهم فهم خاص أيضاً للقانون، وشاهدنا كيف أن حكومات
ليست بعيدة زمنيّاً أو جغرافيّاً عنّا أصدرت قوانين نصّت على إعدام من
ينتمي إلى حزب مُعيّن، بل وإعدام أقاربه وتعذيب الآخرين القريبين منه، وكل
ذلك تأسيساً على فهم ذلك النظام بأن الأصل في العلاقة مع الآخر هو الانصياع
التام، وإلا فإن حبل المشنقة، أو السيف أو السجن مصيره.

الحجج التي يطرحها أصحاب هذه المدرسة غير الإنسانية كثيرة، منها أن ما
يقومون به أقل مما كان سيقوم به الذين يتلقون العذاب (فيما لو كان
المضطهدون هم المسيطرون)، أو أن ما ننزله من عذاب وأذى بهؤلاء (ويقصدون
المخالفين لهم في الرأي أو في الحزب أو في الدين أو المذهب) أقل بكثير مما
يفعله من يشبههم بمن يشبهنا في بلاد أخرى.

أصحاب هذه المدرسة غير الإنسانية التي تقول بأن «الحق مستمد من القوة»
ينظرون إلى ما يتوافر تحت أيديهم ليس سوى «غنيمة» يتمتع بها صاحب القوة
الذي يفرض إرادته ويسن قوانين ويصدر قرارات يفرضها بالطريقة التي يشاءها
على من يختلف معه. هذه المدرسة ليس لها مكان في عالم اليوم الذي يعتمد على
فهم آخر للحق، وهو أن القوة ليست مصدراً للحق، وهذا ما أوضحه «الإعلان
العالمي لحقوق الإنسان»، وفصّلته العهود والاتفاقيات الدولية بشكل لا يقبل
التأويل.

منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية