المنشور

جولة الإنعاش الاقتصادي العالمي




هل وصل بعض الأطراف الرئيسة الفاعلة في منظمة التجارة العالمية إلى حد القناعة اليائسة بتبدد أي أمل في تحريك جولة مفاوضات الدوحة لتحرير التجارة العالمية في إطار منظمة التجارة العالمية وإنهائها بتحقيق الأهداف التي وضعت لها يوم انطلقت في الدوحة في عام 2001؟ هذا ما يبشر به حالياً بعض الأوساط لأطراف رئيسة في المنظمة مؤخراً، حيث تطالب هذه الأوساط باستبدال جولة مفاوضات الدوحة التي تعتبرها في حكم الميتة بما تسميه »جولة الانعاش الاقتصادي العالمي«، وذلك انطلاقاً من وجهة نظرها من أن التجارة والنمو مرتبطان، 




فحين وقعت الأزمة المالية/ الاقتصادية العالمية في عام 2008 انهارت التجارة العالمية والنمو معاً، وتعافيا معاً في عام 2009 حتى هذا العام حين تراجعا معاً . . 




وإن خفض التعرفات الجمركية وإزالة القيود الكمية يحفز التجارة ويعزز النمو الهش، وهو ما يعد سبباً كافياً – من وجهة نظرها – لاستبدال جولة الدوحة من مفاوضات تحرير التجارة العالمية باتفاق عالمي جديد متعدد الأطراف .




ويستمر الهجوم على جولة الدوحة لتُتهم بمحاباتها للدول الفقيرة، بتمكين مزارعيها من الوصول إلى أسواق الدول الغنية، وأنها كانت طموحة أكثر من اللازم بتغطيتها ليس فقط التجارة في السلع والمنتجات الزراعية والخدمات وإنما مواضيع لها علاقة غير مباشرة بالتجارة مثل قواعد مكافحة الاحتكار وحقوق الملكية الفكرية والقواعد المنظمة للاستثمار الأجنبي . كما أن عدد الدول الأعضاء في المنظمة يحول دون التوصل إلى إجماع على موضوع 




معين، خصوصاً إذا تعلق باللوبيات القوية الموجودة في الدول الكبرى الأعضاء مثل لوبي القطن في الولايات المتحدة على سبيل المثال .




يطالب أصحاب هذا الرأي مدير عام منظمة التجارة العالمية، باسكال لامي، بالتخلي عن قاعدة »الاتفاق على كل شيء أو لا شيء« والاستعاضة عنه بمجموعات تفاوضية صغيرة لا يخضع التقدم في موضوعاتها التفاوضية في إحداها لمدى التقدم المحرز في المجموعات التفاوضية الأخرى . على أن تكون مفتوحة لأي دولة عضو في المنظمة الانضمام لها أو الانسحاب منها، مع الإبقاء فقط على مبدأ الدولة الأولى بالرعاية، بحيث تحصل كافة الدول الأعضاء على معاملة الدولة الأولى بالرعاية في أي اتفاق تبرمه أي مجموعة تفاوضية صغيرة حتى ولو لم تنضم إلى الاتفاق . وعلى أن تركز »جولة الإنعاش الاقتصادي العالمي« على المنتجات الصناعية والخدمات بحجة أن المنتجات الصناعية تشكل 55% من إجمالي التجارة العالمية، والخدمات 20% . وبدعوى أن التجارة في المنتجات الزراعية لا تشكل سوى 7% من التجارة العالمية . 




فإن هؤلاء »الميركنتليون« الجدد يدفعون باستبعاد قطاع الزراعة من المفاوضات باعتباره سبباً في عدم تقدم مفاوضات جولة الدوحة .




ماذا يعني هذا . . إنه يعني انقلاباً على ما توافقت عليه أطراف التفاوض في الدوحة، وتحديداً الدول النامية والدول المتقدمة، على جعل الجولة التاسعة من مفاوضات تحرير التجارة العالمية جولة اتفاقاتها مكرسة لدعم التنمية في الدول النامية، وذلك تعويضاً عن الامتيازات التي خسرتها في جولة أوروغواي .




معناه أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي غير مستعدين لإبداء أي مرونة تجاه الدعم الذي يقدمانه لمزارعيهما ولمصنعيهما الذي يضعف قدرة مزارعي الدول النامية على تصريف منتجاتهم في السوقين الأمريكي والأوروبي، بما يخالف أهداف جولة الدوحة للتنمية . حيث يصر كل منهما على استمرار تقديم الدعم لقطاعيهما الزراعيين الذي يكلف الخزينة الأمريكية نحو ألف مليار دولار، ونفس الرقم تقريباً بالنسبة للاتحاد الأوروبي، مع أن إلغاء هذا الدعم يعني التخفف من عبء ثقيل في الموازنات الأوروبية والأمريكية الوطنية ومن عبء مديونياتها الضخمة .