المنشور

ذكرى الهيئة مرت في صمت



وسط
صمت غريب مرت في الثالث عشر من هذا الشهر الذكرى الثامنة والخمسون لانعقاد
الاجتماع التأسيسي لهيئة الاتحاد الوطني. ما من جمعية سياسية تذكرتها
وأقامت حولها ندوة لاستذكار المناسبة واستعادة دروسها، الكتاب والإعلاميون
جميعاً غفلوا عنها، ولم تخطر في ذهن أحد منا. صحافي وحيد، هو الشاب راشد
الغايب كان الاستثناء، في مقالٍ له نشر منذ يومين أو ثلاثة. ونحن له ممتنون
لأنه تذكر هذه المناسبة الوطنية المهمة، وممتنون له أيضاً بالنقد لتجاهل
دعاة الوحدة والتوافق في هذه الأيام إحياء ذكرى “هذه الحركة الخمسينية
الذهبية” التي نجحت فيما فشل الآخرون فيه، والتي وصفها عن حق “بالحركة
الوطنية العابرة للطوائف، التي مثلت درسا للوحدة الوطنية بعد فتنة كادت
تحرق الأخضر واليابس”. وحسناً فعل راشد أيضاً حين أعاد تذكير الجميع بأن “سيرة الهيئة تغيب في المناهج الدراسية وذاكرة الدولة الرسمية، ولا تحضر في أجندة المشتغلين في السياسة والمجتمع”. 


في بيان أصدره المنبر التقدمي في الخامس عشر من فبراير 2011، في اليوم التالي لبدء أحداث ذلك العام رأى فيه: “
أن الظروف التي تجتازها بلادنا في هذه الفترة الدقيقة تتطلب تداعي القوى
والفعاليات السياسية والاجتماعية في البلاد، ومن الطائفتين الكريمتين
السنية والشيعية، لتشكيل هيئة وطنية على غرار هيئة الاتحاد الوطني في
الخمسينات الماضية، تتبنى حقوق الشعب ومطالبه في الإصلاح الدستوري والسياسي
والاقتصادي، بما يحفظ نسيج الشعب ويحمي الوحدة الوطنية”. 


للأسف الشديد ضاعت هذه الدعوة وسط صخب الأحداث حينها، واندفعت الأمور في الاتجاه  المعاكس
تماماً، وحدث ما حدث من تصدع في الوحدة الوطنية، ما زال مستمراً حتى
اللحظة، وما زالت الجهود المبذولة لوقف هذا التصدع ضعيفة وضائعة وسط هذا
الجو المشحون، لكن هذا لن يُغير من حقيقة أن لا مستقبل لهذا الوطن ولا للحل
السياسي فيه خارج الوحدة الوطنية وتوافق كافة الشركاء فيه على كلمة سواء،
توقف النزيف والخسائر وتفتح طريقاً للتسوية. 


تستوقفنا
عبارة بليغة للروائي عبدالرحمن منيف فحواها “أن كل التاريخ هو تاريخ
معاصر، لأننا ننظر إلى التاريخ من منظور الحاضر لا الماضي”، لأن في العودة لتجاربنا التاريخية، ما يعين على فهم تعقيدات الحاضر، عبر رؤية جدلية لماضينا وتاريخنا، لكن كثيرا ما يغلب الشعار على التحليل، والخطابة على البحث المعمق، فنظل والحال كذلك نراوح في الدائرة نفسها، ونقع في الأخطاء ذاتها التي وقعت في الماضي، وهو أمر يتكرر حتى اللحظة. 
  
الدرس الأساسي المستقى من تجربة حركة هيئة الاتحاد الوطني هو انه لتحقيق أي مطلب  يتعين إدراك أن المواطنة لا تعني الانتماء إلى عشيرة أو فئة أو طائفة أو مذهب، لقد رحل أولئك  الذين قد بدأوا مسيرة المطالب الإصلاحية ، ولكن بقيت لنا الفكرة التي زرعوا بذرتها، ونحن مطالبون بتطويعها في وضعنا الحالي، ونحن نتعاطى مع واقعٍ شديد التعقيد بصورةٍ غير مسبوقة، لن يكون فيه أي منتصر، إن لم ينتصر الوطن كله.