المنشور

كسر القيود الدستورية… كسر للدستور


بعودة سريعة إلى عناوين الصحف والأخبار المنشورة على صفحاتها الأولى طوال الأشهر الأربعة الماضية، بما في ذلك الفترة السابقة لصدور حكم المحكمة الدستورية بإبطال المرسوم الأول بحلّ مجلس 2009 وإبطال انتخابات مجلس 2012، سنجد كمًّا هائلا من التصريحات والتسريبات، بل مسودات الاقتراحات الحكومية، التي تشير إلى اتجاه السلطة لتعديل القانون 42 لسنة 2006 بإعادة الدوائر الانتخابية، وتحديدا تعديل المادة الثانية منه بتقليص عدد الأصوات التي يستطيع الناخب الإدلاء بها من أربعة أصوات إلى صوتين أو صوت واحد فقط… وهذا في حدّ ذاته دليل ملموس على انعدام توافر الشرط الملزم الوارد في المادة 71 من الدستور لإصدار المراسيم بقوانين الذي يقضي بأن يحدث “فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حلّه ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير”، ذلك أنّ الحديث المتكرر والمعلن عن تغيير آلية التصويت من أربعة أصوات إلى صوتين أو صوت واحد سبق أن دار مرارا وتكرارا منذ فترة طويلة، ما يعني بوضوح أنّ شرط الضرورة الموجبة للإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، مثلما ينص الدستور، ليس متحققا في شأن تعديل آلية التصويت، وإنما هناك نيّة مبيتة منذ زمن ومخطط سياسي سبق الإعلان عنه لفرض مثل هذا التعديل، وبذلك فإنّ إصدار مرسوم بقانون لتعديل آلية التصويت يمثّل خرقا صارخا للقيد المتصل بظروف إصدار المراسيم بقوانين!





وأضيف إلى ذلك الرأي الدستوري الواضح الذي تبنّاه الدكتور عادل الطبطبائي في كتابه “النظام الدستوري في الكويت – دراسة مقارنة” عندما تناول القيد الخاص بالمدى في مراسيم القوانين الصادرة فترة حلّ مجلس الأمة أو بين أدوار انعقاده، وهو غير القيد الخاص بظرف الإصدار، وقد سبق لي أن استندت إلى هذا الرأي في أحد مقالاتي، حيث يرى الدكتور عادل الطبطبائي أنّ “المرسوم بقانون لا يستطيع أن يعدّل قانون الانتخاب، سواء كان مجلس الأمة منحلا أم غير منحل. فإذا كان مجلس الأمة غير منحل، فإنّ الدعوة لإجراء انتخابات جديدة أمر لا يمكن قبوله دستوريا والمجلس لا يزال قائما، كما أنّه يجب دعوة المجلس إلى الانعقاد خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدور المرسوم بقانون. ولا يمكن تعطيل حكم الدعوة خلال هذه الفترة. أما إذا كان مجلس الأمة قد صدر مرسوم بحلّه، فإنّ تعديل قانون الانتخاب يتعارض مع المبادئ الدستورية التي تحكم عملية الحلّ. ذلك لأنّ حلّ المجلس التشريعي قد يكون نتيجة خلاف بين السلطتين التشريعية أو التنفيذية، وعلى السلطة التنفيذية أن تعود إلى الشعب لتحتكم إليه في هذا الأمر. فلو عاد الشعب واختار أعضاء المجلس المنحلّ، أو أعضاء يمثلون الاتجاه ذاته، فهذا دليل على أنّ الشعب يؤيد سلطته التشريعية في الخلاف الدائر بينها وبين الحكومة. أما لو اختار الشعب أعضاءً جددا في مفاهيمهم وأفكارهم، فإنّه بذلك يقف موقف المؤيد للسلطة التنفيذية، فيما اتخذته من قرار بحلّ المجلس التشريعي. ولا شك أنّ تحكيم الشعب في الخلاف الدائر بين السلطتين، يتعارض مع الاعتراف بحقّ السلطة التنفيذية في تعديل قانون الانتخاب عند حلّها للبرلمان. فإذا كانت السلطة التنفيذية قد حلّت المجلس، ثم شرعت بتعديل قانون الانتخاب، فكأنها بذلك ترسم الطريق الذي يمكّنها من ضمان وصول أعضاء جدد يؤيدونها في موقفها من المجلس المنحلّ – وبذلك تهدر فكرة تحكيم الشعب في الخلاف الدائر بين السلطتين”.


وهكذا فإنّ أي مرسوم بقانون يصدر الآن ليقضي بتعديل قانون إعادة تحديد الدوائر الانتخابية، وتحديدا تغيير آلية التصويت، سيمثّل كسرا متعمدا لقيدين دستوريين رئيسيين، أولهما القيد المتصل بظروف إصدار المراسيم بقوانين؛ وثانيهما القيد المتصل بالمدى… وبالتأكيد فإنّ كسر القيود الدستورية إنما هو كسر للدستور..!