المنشور

“انتخابات فنزويلا” مجابهة بين النهج التحرري وقوى التبعية والإفقار – مقال موريس نهرا

الانتخابات الرئاسية التي ستجري في فينزويلا يوم الأحد 7 تشرين الأول الجاري، تحظى باهتمام كبير لا يقتصر على الشعب الفينزويلي، بل وفي الخارج أيضاً، وبخاصة لدى شعوب أميركا اللاتينية.. وينجم ذلك عن الدور المحوري الذي تلعبه فينزويلا في المجابهة العامة التي تخوضها هذه الشعوب من أجل تحررها الوطني والتفلت من أسر التبعية لواشنطن وسيطرتها، والخروج من مستنقع الفقر والبؤس والتخلف الاقتصادي والاجتماعي..


ومع أن فينزويلا ليست دولة عظمى، فمساحتها تبلغ 912050 كم2 ، وعدد سكانها حوالي 29 مليون نسمة، إلا أنها مع وصول الرئيس هوغو تشافيز إلى قمة السلطة معتمداً النهج التحرري الديمقراطي وعلى خطى القائد المحرر سيمون بوليفار، تحولت من بلد عادي ضمن حديقة واشنطن الخلفية، إلى احتلال مكانة بارزة في عملية الصراع التاريخي لشعب فينيزويلا، وشعوب أميركا اللاتينية، التي وجدت في مواقف تشافيز الشُجاعة في مواجهة امبريالية الولايات المتحدة وضغوطها، تجسيداً لطموحها إلى الحرية والتقدم الاجتماعي، وتعبيراً عن إرادتها في تعاظم مسيرة نضالها التاريخي التي تجمعها مع الشعب الفينزويلي وحدة القضية والمصير المشترك..


وارتباطاً بالاهتمام الواسع بهذه الانتخابات، يتوافد إلى فينيزويلا مئات المراسلين والإعلاميين والمراقبين الأجانب. ليواكبوا هذه العملية ومجرياتها ونتائجها…


ومع أننا في لبنان والمنطقة العربية على بعد آلاف الأميال عن فينيزويلا، فإن هذه المعركة الانتخابية تعني شعوبنا أيضاً، فمعركتنا النضالية مشتركة وكل نجاح في موقع فيها، يشكل تعزيزاً لدور المواقع الأخرى.. ولم ننسَى ذلك الموقف الحازم للرئيس تشافيز ضد الحرب العدوانية التي شنها العدو الصهيوني على لبنان في تموز 2006، وتضامنه الكلي مع مقاومة شعبنا لصدّ هذا العدوان، بالإضافة إلى التضامن الثابت مع نضال الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية التاريخية، وقضايا شعوبنا الأخرى ضد مخططات السيطرة الأميركية، إنطلاقاً من إعتبار أن الحرية لا تتجزأ وتعني كل شعوب الأرض.


فهذا النهج التحرري الطبقي والوطني، والتضامني مع قضايانا، هو الذي يجعل شعبنا وكل الوطنيين والديمقراطيين والشيوعيين في الجاليات اللبنانية والسورية والفلسطينية في فينيزويلا، يقفون إلى جانب الرئيس تشافيز ونهجه البوليفاري.. ويزيد في الموقف الداعم له، كون منافسه في المعركة الانتخابية كابريليس هو من أسرة يهودية، وتدعمه بقوة، واشنطن والرجعية المحلية، وجميع الشبكات الصهيونية في أميركا اللاتينية.فنجاح تشافيز في هذه المعركة يشكل ترسيخاً لنهجه التحرري والتضامني مع قضايانا ومع شعوب القارة اللاتينية، في حين أن خصمه يمثل خطاًً سياسياً معاكساً لمصالح شعب فينزويلا وشعوبنا، وفي صالح العدو الصهيوني.


لقد أتى اكتشاف أكبر احتياطي نفطي في العالم في فينزويلا، ليزيد من شراسة الاحتكارات الأميركية الضخمة للسيطرة على هذه الثروة، التي توفر لنجاح تشافيز في السلطة، إمكانية ودوراً أكبر ليس في الداخل الفينزويلي فحسب، وإنما في محيط فينزويلا وأميركا اللاتينية بوجه عام.. فالعملية الثورية البوليفارية التي شكلت استجابة للمصالح الوطنية والاجتماعية للجماهير الفينزويلية وبخاصة الطبقات الكادحة والفقيرة، قد شكلت مثالاً وتأكيداً لما أظهرته ثورة كوبا وصمودها، بأن بإمكان الإرادة الشعبية أن تنتصر حتى في بلدان صغيرة، رغم الاختلال بالتوازن الدولي، واستمرار محاولات واشنطن ورغبة بالتمسك بأحادية القطب والسعي للتحكم بالوضع العالمي، وإقامة نظام دولي يتيح لها الهيمنة على العالم.. وتركت قوة المثال الوارد ذكره، انعكاسات كبيرة لدى شعوب تلك المنطقة، وأدت إلى نهوض جماهيري واسع للتيارات التحررية واليسارية في العديد من بلدان تلك القارة.. وقد شكل وصولها إلى السلطة بالطريق الديمقراطي والانتخابات، ضربة أليمة مزدوجة، لمخططات السيطرة الأميركية، ولعملها الدعائي الذي تحاول فيه التظاهر بأنها تساند الديمقراطية وحقوق الإنسان. فممارستها العملية ضد أنظمة وقوى وصلت إلى السلطة، بالديمقراطية وتحافظ على الديمقراطية، قد أسقطت القناع عن وجهها وكشفت دورها العدائي والتحريضي ضد الرئيس تشافيز وأمثاله أو القريبين من مواقفه في البلدان الأخرى، الذين وصلوا إلى السلطة بالديمقراطية..


وإن إخفاقات أعوان الولايات المتحدة وأتباعها أمام صعود التيار الديمقراطي اليساري في العديد من تلك البلدان، جعلها تلجأ إلى نشر المزيد من وجودها العسكري في أراضي ومياه تلك القارة، تعويضاً عن تراجع نفوذها فيها.. وأن الغرض الأساسي من هذا الانتشار هو الضغط على الأنظمة والحكومات التي تعتمد سياسات استقلالية وتحررية، والتهيئة والجهوزية لتدخل عسكري وأمني لمساندة القوى السائرة بركابها..


لقد وصل عدد القواعد العسكرية في العام 2007 إلى 17 قاعدة، وارتفع هذا العدد اليوم إلى 39 قاعدة، بالإضافة إلى 46 طرّاداً حربياً تشكل قواعد متنقلة في المحيطات.. وتنشىء قاعدة كبيرة في تشيلي، واتفاقات أمنية وتدريبية عسكرياً في دول أخرى..


وفي مواجهة الدور البارز للرئيس تشافيز في تعزيز التعاون والعمل التوحيدي لبلدان أميركا اللاتينية، بإقامة منظمات إقليمية مثل “petrocaribe,alba,unasur” تركز واشنطن على معاكسة هذه المنظمات ومحاصرة فينزويلا.. وقد زارت وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون عام 2011، الجزر الصغيرة في محيط فينزويلا، واستطاعت توقيع معاهدة معها تحت عنوان “مبادرة أمن الكاريبي” والغاية “إخراج السمكة من المياه” أي منع تأثير فينزويلا ودورها في محيطها.. وبالأمس القريب ساندت واشنطن الانقلاب الذي جرى في الباراغواي على الرئيس لوغو، المنتخب من الشعب، وقبله محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة ضد رئيس الاكوادور. هذا إضافة إلى الانقلاب العسكري في هندوراس منذ بضع سنين، وما سبقه وما رافقه من أعمال إجرام واغتيال للقيادات السياسية والشعبية؛ بما في ذلك رئيس أساقفة سان سلفادور أوسكار روميرو، بدور معروف للمخابرات المركزية CIA. وبالارتباط مع هذه الأهداف والمخططات السوداء، سعت دوائر واشنطن بما لها من أتباع واختراقات في فينزويلا لخلق مشكلات وأعمال تخريب وإجرام فردي، لإفتعال حالة من الارتباك وزعزعة الثقة في قيادة الدولة، متعاونة في ذلك مع القوى اليمينية والبرجوازية الكبيرة في شن الحملات الإعلامية وتمويلها واستخدام جميع الوسائل لمنع نجاح الرئيس تشافيز في هذه الانتخابات..


وبالرغم من هذه الحملات والصعوبات والنواقص، والتركة الموروثة، والاختراقات، فإن الرئيس تشافيز استطاع بنهجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والوطني، أن يحقق مكاسب مهمة للشعب وجماهير الكادحين والفقراء، على طريق بناء فينزويلا جديدة متحررة وديمقراطية، توظف ثرواتها في خدمة الشعب وتطور البلاد.. وفي هذا السياق فإن المؤسسة المعنية للأمم المتحدة تشير إلى أن فينزويلا هي الدولة الأقل تفاوت اجتماعي بين المواطنين في دول أميركا اللاتينية.. وأنها الدولة الثانية بعد كوبا في نسبة الطلاب الجامعيين، وفي المرتبة الخامسة في العالم..


وأن معدل البطالة في البلاد إنخفض إلى 6.2%، وهو في أوروبا أكثر من 20%.. ومعدل الفقر في فينزويلا وفقاًً لتقارير المنظمات العالمية في عام 1998، كان 43.9 % وفي الأشهر الأخيرة من عام 2011 تراجع إلى26.7% ونسبة الذين تحت خط الفقر في العام نفسه هي 7%.. وفي المجال الصحي ثمة انجازات بارزة في جعل التطبيب بمتناول الجميع.. ففي البلاد 7721 مركزاًً صحياًً حتى عام 2011، ويتخرج هذا العام 8 الآف طبيب للعمل في المناطق والأرياف..


أما في الحقل التعليمي فوصلت نسبة التعليم الابتدائي إلى 93% عام 2009، وجرى توزيع 907 الآف جهاز كمومبيوتر شخصي للطلاب، و934688 كومبيوتر محمول للأولاد عام 2011 .. فهذه الانجازات وغيرها من المكاسب بالإضافة إلى الشعور بالكرامة الوطنية والاعتزاز بالاستقلال الفعلي والتحرر من التبعية، قد شكلت وتشكل في هذه الانتخابات دافعاً أساسياً لوقوف الطبقات الشعبية وفقراء فينزويلا، والوطنيين الفنزويليين، بصلابة، إلى جانب الرئيس تشافيز وحماية استمرار نهجه البوليفاري في قيادة البلاد..


إن لهذه المعركة الانتخابية طابعاً مفصلياً بالنسبة للشعب الفنزويلي، وبعداً أميركيا لاتينياً، كمؤشر في الصراع الجاري في المنطقة والعالم.. وأن نجاح القائد تشافيز يشكل عامل نهوض جديد لشعوب أميركا اللاتينية وللمسار التحرري العام للشعوب.