المنشور

في مفهوم”الاستقواء بالخارج”

لم يتبقَّ لدى الكتَّاب المتذاكين والمتمصلحين من استمرار الأزمة في البحرين، وبعد أن نفد قاموسهم من مفردات الشتم والتخوين، إلا أن يصفوا المعارضة بـ «الغباء»، وهي تهمة جديدة تضاف إلى تهم العمالة للخارج، ومحاولة تطبيق نظام ولاية الفقيه في البحرين.

الأخوة الأذكياء جداً، تراجعوا عن كل ما كتبوه سابقاً من أن المعارضة والوفد الأهلي المشارك في جلسات مراجعة ملف البحرين في مكتب حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، لم يكونوا خونةً لأنهم كشفوا الممارسات القمعية والمنافية لحقوق الإنسان التي أستخدمت لإسكات الأصوات المعارضة، وشوّهوا سمعة البحرين لدى المنظمات الحقوقية ودول العالم، ولكنهم خانوا وطنهم وشركاءهم في الوطن حين استقووا بالخارج للضغط على الدولة لتلبية مطالبهم التي لم يستطيعوا أن يحققوا إجماعاً وطنياً حولها، وحول مشروعهم الذي لو تحقّق، لأصبح الجميع تحت رحمتهم كقطيع من الأغنام، والسؤال المهم هنا، من الذي استقوى بشكل عملي بالخارج؟

وبعيداً عن مشروع المعارضة، الذي دائماً ما يُقرأ بالنيات وليس بالحقائق والوقائع، فإن المشكلة كما يتم طرحها هنا هي في الاستقواء بالخارج، وخصوصاً بالولايات المتحدة الأميركية، بعد أن سقطت ورقة التدخل الإيراني في الأحداث التي جرت العام الماضي، بشهادة تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق.

ما نعرفه كشعوب من العالم الثالث، أن الولايات المتحدة وعلى مدى تاريخها الطويل لم تتدخل يوماً من الأيام لحماية مصلحة شعب من شعوب هذا العالم، وإنما كانت دائماً تحمي مصالحها أولاً، ومن ثم مصالح الأنظمة الصديقة لها. وهناك العديد من الشواهد والوقائع التاريخية وحتى المعاصرة التي تثبت ذلك، ولا ننسى أن للولايات المتحدة قاعدة عسكرية في البحرين لم تأتِ بها المعارضة، ولا تعرف شيئاً عن شروط بقائها حتى حين طرحت للمناقشة في البرلمان.

ما يفهمه الأخوة الأذكياء جداً، ويحاولون إنكاره لخداع الناس، هو أن الولايات المتحدة حتى وإن مارست ضغوطاً، فإن هذه الضغوط ستصب في محصلتها في مصلحة الأنظمة وليس ضدها، فلا مانع من تقديم تنازلات بسيطة في وقت من الأوقات لصالح الشعوب، ما دام ذلك يساهم في استمرار واستقرار النظم الحاكمة التي ترتبط معها بمصالح مشتركة، وبذلك تصبح هذه الضغوط من باب نصح الصديق، وليس ليّ ذراع العدو.

لا أحد ينكر أن المعارضة تقوم بطرح وجهة نظرها على المنظمات العالمية ودول العالم، وهو ما تقوم به جميع الحركات المعارضة في العالم لكي تكسب التعاطف الدولي، ويبدو أن ذلك ما أوجع الأطراف المستفيدة من بقاء الأوضاع غير المستقرة في البحرين حين تعاطفت أغلب هذه المنظمات ودول العالم مع ما تطرحه المعارضة.

فيما يخص الإجماع الشعبي، فإن تاريخ المعارضة في البحرين لم يبدأ في العام 2001 ولم ينتهِ في العام 2011، ولا يمكن اختصاره في العشر سنوات الأخيرة. والمعارضة هي من طالبت ومنذ التسعينيات حين كانت تعمل من أجل الديمقراطية، وإيجاد برلمان لكل أبناء الوطن، بخلق توافق وطني وتحالف مع جميع القوى السياسية، لكنها اصطدمت بواقع وجود تحالف مقدس بين الحكم والقوى السياسية الموالية.

ما تطرحه القوى المعارضة يؤكد بصدق أنها لا تزال مؤمنة بأن الوطن للجميع وليس لفئة معينة، وما يعزّز ما نقوله هو مطالبها التي أكدت على شرعيتها مبادرة سمو ولي العهد ذات النقاط السبع.

وأخيراً، إن الوطن لا يمكن اختزاله في طرف دون آخر، وليس من يحمل همَّ وطنه كجرحٍ غائرٍ في الروح، ويقدم الضحية تلو الأخرى، كمن يسترزق من جراح وطنه.

جميل المحاري
صحيفة الوسط البحرينية