المنشور

هل يبادر الحزب الشيوعي قبل أن يباغته جمهوره؟ – علاء المولى

ثارت الجماهير العربية في غير مكان،
وتجرأت على السلطة بمبادرة ذاتية من دون انتظار مبادرات الأحزاب. يطرح ذلك
للنقاش الجدي تساؤلات عن الأحزاب اليسارية والديموقراطية العربية. انكشفت
هشاشة الأنظمة، وبدا أنّها لم تستمر إلا لأنّ الأحزاب التي تعارضها أكثر
هشاشة منها. أكد الشعب أنّه أقوى من النظام وأكثر إدراكاً وكفاحية من
الأحزاب التي استكانت وغرقت في سبات عميق وطويل، لكنّ التطورات اللاحقة
أثبتت، من جهة أخرى، أنّ كفاح الشعب لا يكفي لتحقيق أهداف الثورة التي لا
أمل لها في النجاح من دون قوى ثورية منظّمة، تتمتع بوجود أطر فكرية
وبرامجية ونضالية ومثابرة. يعيدنا ذلك، مرة أخرى، إلى أولوية البحث في
ضرورة الحزب الثوري القيادية في العملية الثورية.


أكثر من يجب أن يستيقظ، على وقع هذا السجال الموضوعي، هو التشكيلات
اليسارية العربية، وفي مقدمها الأحزاب الشيوعية. لا مبالغة في القول إنّ
هذا هو أكثر الاستنتاجات وضوحاً وجديّة وفائدة، لأنّ التعامل الفوري معه
يحمل إمكان التأثير في الفعل خلال صيرورته، أما بقية الاستنتاجات، فالوقت
لن يفقدها قيمتها.


قلّة من المناضلين فقط، تعوّل على إمكان إيقاظ الأحزاب الشيوعية العربية،
بينما تعدّها كثرة راجحة، ميتة وبحاجة إلى من يدفنها. والحق أنّ التشابه
بين بعض علامات النوم، وبعض علامات الموت يبرر مثل هذا التباين في الرأي،
ويقيم الحجة على من يدعي إمكان الاستنهاض. إذا لم توقظ النائم صفعة الشعوب
المدوية، فهو على الأرجح ميت، ودفنه واجب. هي «لحظة» في حضرة التاريخ، فإما
أن تستيقظ الأحزاب الشيوعية، أو تعلن موتها النهائي، إذ إنّه ليس أمام
مجتمعاتنا العربية ترف منح المزيد من الوقت للشيوعيين واليساريين لـ«البحث
في ضرورة التغيير». ذلك كان قبل الثورة، أما بعدها، فصارت الساعة وحدة قياس
الوقت، لا السنوات.


في اللغة السياسية انكشفت «أزمة البديل» الثوري والديموقراطي، على حدّ
سواء، على نحو لا يصلح معه سوى «الإسراع» في معالجة هذه الأزمة. والتغيير
هو مدخل المعالجة المطلوبة وشرطها: تغيير في القيادات والرؤى والسياسات
والأساليب والخطط والخطاب… إلخ. لا يمكن إيكال أمر الخروج من الأزمة الى
جيل هو سببها، والى رموز استكانت تحت وطأتها، وتكيّفت مع السائد بدل العمل
على تغييره. هكذا بدأت البدائل الجديدة تتكوّن من رحم الثورة، وتشهد
تشكيلات يسارية انشقاقات مرشحة للتوسع، وتبحث النخبة في إمكان التلاقي على
مشروع نضالي جديد خارج تجربة الأطر القائمة. ومهما تعثرت بدايات هذا
المخاض، فلا شيء ينتظره أقل من مستقبل أفضل، ذلك أنّه لا ينبثق من ماض محمل
بالأخطاء.


يحسن الحزب الشيوعي اللبناني إن هو التقط «اللحظة»، وبادر، من دون إبطاء،
الى تغيير فوري وجدي وذي مغزى. وهو من بين قلّة من المنظمات اليسارية
العربية، مؤهل لذلك، ويمكن صحوته أن تتحول بسرعة الى عدوى إيجابية، وتلك
ميزة ليست لغيره. في داخل الحزب وعلى ضفافه، قناعة واسعة، سابقة على زمن
الثورة العربية بإلحاحية التغيير. وهي قناعة مستندة الى شعور واسع وعميق
بحجم العجز وعمق الأزمة. تتحوّل هذه القناعة سريعاً إلى إرادة وفعل راهنين
ومثابرين، تقتضي الحكمة والمسؤولية ملاقاتهما بالاحتضان والتبني، بدل
محاربتهما، على طريقة الأنظمة، بالأساليب الإدارية الفوقية أو العقلية
الأمنية. فمن الأفضل للحزب أن يبادر قبل أن يباغته جمهوره.


عندما قال الرئيس التونسي لشعبه «لقد فهمتكم الآن»، أجابوه بأنّه تأخر وبات
مطلوباً منه المزيد. كل تغيير مكلف، ويوجب بعض التضحيات التي تكبر كلما
ازداد تعنت السلطة وطال.

* عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي اللبناني


جريدة الأخبار اللبنانية