المنشور

التستر على الانتهاكات الإنسانية… جريمة دولية

إن الهروب من طرح موضوع الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في أساليب
الانتهاكات التي تمارسها بلدان تتستر على أفعالها، ما هي إلا جريمة دولية
تُعاقب عليها الدول التي لا تحترم حقوق الإنسان وتحتقر المجتمع الدولي.

والبلدان
العربية كغيرها من بلدان آسيا الوسطى مثلاً، خبيرة في التلاعب بمصير
مجتمعاتها من خلال إصدار قوانين تفصّل بما يلائم أجندتها وإطلاق تصريحات
تتحدّث عن حقوق الإنسان لمجرد الاستهلاك الإعلامي، ولكنها ليست كذلك لأن
كثيراً منها لا يبحث عن حلول ولكن عن قمع لمشاكلها السياسية. هذا القمع
الذي يفاقم من وضع مشاكلها ويجعلها أكثر تعقيداً على المستوى الداخلي، بل
وتحدياً للمجتمع الدولي الذي يبقى يراقب وضع الدول عن كثب.

لقد واجهت
محاكم جرائم الحرب بعد الحرب العالمية الثانية انتقاد بعض القادة
السياسيين الذين اعتقدوا أن القانون الدولي لم ينص أصلاً على تلك
المحاكمات. وقد أسست الأمم المتحدة في العام 1947 هيئةً للقانون الدولي
لوضع نظام للقوانين الدولية، منها تلك التي تختص بجرائم الحرب. وفي
تسعينيات القرن الماضي بدأت الأمم المتحدة في محاكمة الذين اتهموا باقتراف
جرائم حرب في رواندا ويوغوسلافيا السابقة قبل تفككها العام 1991. وفي العام
1998 أجازت الأمم المتحدة اتفاقية إنشاء محكمة جرائم الحرب الدولية
الدائمة للنظر في جرائم الحرب وغيرها. وأصبحت الاتفاقية نافذة في العام
2002 بعد أن وقّع عليها 139 بلداً و73 قاضياً ورجل قانون دولي.

والتاريخ
الحديث مليء بالتجارب تماماً كما هو التاريخ القديم، ولو نظرنا إلى تجربة
الحرب في البوسنة والهرسك فقد مارس الصرب في أوائل التسعينيات من القرن
الماضي أفظع الجرائم التي عرفتها الإنسانية بحق أسرى الحرب والمدنيين في
البوسنة والهرسك. وقد شكلت الأمم المتحدة (مايو/أيار 1993) لجنة لمحاكمة
المسئولين من الصرب عن تلك الجرائم والفظائع وبدأت المحاكمات في العام
1996. وفي 14 يوليو/تموز 1997 حكمت محكمة الأمم المتحدة المختصة بجرائم
الحرب في البوسنة في لاهاي بمعاقبة دوسكوتا ديتشي بالسجن لمدة عشرين عاماً
لارتكابه جرائم حرب، وضلوعه في عمليات اضطهاد منتظمة في حق المدنيين
المسلمين في شمالي البوسنة. ثم مثل أمام المحكمة في الشهر نفسه
ماركوفاسيفيتش الحاكم السابق لمدينة بربيدورا لمحاكمته بتهم مماثلة. وفي
يوليو 2001، سلمت الحكومة الصربية رئيس البلاد السابق سلوبودان ميلوسيفيتش
لمحكمة لاهاي لارتكابه جرائم حرب ضد سكان البوسنة والهرسك وكرواتيا وكوسوفو
إبان فترة حكمه.

وتعتبر محاكمات نورنبيرغ أول محاكمات جرائم حرب
أقامتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي (سابقًا) وبريطانيا وفرنسا،
وعقدت ثلاث عشرة محاكمة لمقاضاة قادة ألمانيا لأعمالهم العدوانية أثناء
الحرب العالمية الثانية (1939- 1945). واستمرت المحاكمات من العام 1945 إلى
1949 في نورنبيرغ بألمانيا، إذ كان الحزب النازي ينظم اجتماعاته بقيادة
أدولف هتلر. وفي المحاكمات، واجه القادة النازيون تُهَماً بارتكاب أعمال
وحشية وجرائم حرب. وشملت أوجه الاتهام ضد القادة النازيين الجرائم ضد
السلام، وشن الحرب، وقتل أسرى الحرب والمدنيين، والتدمير المفرط للأرض
والمدن. أما الجرائم ضد الإنسانية فتشير إلى ثلاث مخالفات أساسية كتهجير
المدنيين وقطع أرزاقهم، وإجراء تجارب طبية لا إنسانية، واضطهاد وقتل الناس
لآرائهم السياسية أو بسبب العِرْق أو الديانة.

لقد أكدت محاكمات
نورنبيرغ وحرب البوسنة والهرسك أن الجنود والمواطنين عليهم واجب أخلاقي،
وهو عدم إطاعة الأوامر أو القوانين غير الإنسانية. وهو أمرٌ لم نلمسه بعد
في الشوارع والمدن العربية التي مازالت تشهد إما حروباً أو احتجاجاتٍ على
أوضاعها السياسية المتردية دون حلٍّ حقيقي، والاعتراف بالمشكلة المعاشة في
المشهد السياسي.

ريم خليفة
صحيفة الوسط البحرينية