المنشور

المقاومة والشيوعيون : محمد علي مقلد


 
جمّول…
المنسية !
يا عذراءنا … نحبك نحبك نحبك.
نخجل, لأننا لا نتقن إقامة الأعراس ولا شكّ عقود الورد.
نحن نتقن استحالة الحفاظ على الشرف!
نحن شهود زور على دمائك الزهرية…
نحن لا نستحقك … يا لؤلؤة بحارنا ونرجس جبالنا
 
                                        ( محمد فرحات ، مقاوم من جمول)
 
 السادس عشر من أيلول هي الذكرى السنوية لتأسيس جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ( جمول). ما الذي تبقى منها بعد ثلاثين عاما؟ من يقرأ نصوصا وخواطر وتعليقات كتبها محمد فرحات وسواه من أوائل المقاومين ، يدرك حجم المرارة التي تعتصر قلوب هؤلاء الأبطال.
 
هم الذين لبوا نداء جورج حاوي ومحسن ابراهيم ، في 16 أيلول 1982، ليطلقوا نقطة الضوء الشجاعة في ليل الهزائم العربية . مقاومتهم كانت ” لؤلؤة البحار ونرجس الجبال والعرس والورد والشرف والعذراء ” ، ثم ضاعت على غفلة ، فشعروا أن أحدا ما ، شخصا أو حزبا أو دولة ، اختلسها منهم  وحرف مسارها  وشوه سمعتها.
 
مع أن جورج حاوي ناداه ” يا قائدي ومعلمي ” ، اختار ياسر عرفات ركوب موجة العداء لسوريا وضحى بالشيوعيين. لاقاه حافظ الأسد في منتصف الطريق ممعنا في حصاره وتدمير المخيمات ، معاقبا الشيوعيين لأنهم رفضوا أن يكونوا إحدى أدوات الحصار والدمار. اثنان كانا يخططان لتحرير الأرض من الاحتلال ، واثنان كانا يتنافسان على السيطرة ويتسابقان على حلبة الاستبداد . وجمول لم تكن تدرك أن هذا الذي يحصل على جبهة الحلفاء هو الفصل الأول  من مأساتها ومأساة الأمة كلها.
 
حصار المخيمات كان  تمهيدا لحصار جمول . بدأ الحصار عمليا مع دخول الجيش السوري إلى لبنان في أول الحرب الأهلية . قضى “التدخل الأخوي ” ، يومذاك ، بتصفية المواجهة والمجابهة وتعميم سياسة الممانعة. لم يكن أبطال جمول يدركون أن من أجاز لهم  خوض المعارك البطولية ضد جيش الاحتلال ، باعتبار ذلك واجبا وطنيا وقوميا ، لم يعطهم حق التصرف ببطولاتهم وتوظيفها لصالح تحرير البلاد وإعادة بناء الوطن والدولة ، فكانوا كلما جنحوا نحو استقلال قرارهم  كانت تأتيهم الضربات من ذات اليمين وذات اليسار ، من القريب والبعيد والصديق والعدو. كان على جمول أن تذعن لسياسة الممانعة تحت طائلة العقوبات التأديبية  الممتدة من الاعتقال حتى الاغتيال.
 
عاندت جمول ، عاند أبطالها ، أما القيمون عليها فلم يدركوا أنهم وقعوا ، مع كل المقاومين الآخرين،  ضحية سياسة  الممانعة  التي رفضت في السر وفي العلن أي انسحاب اسرائيلي طوعي، وانزعجت من الانسحاب القسري ، لأنها لم تكن تريد من المقاومة التحرير بل التحريك.
 
مع ذلك طاب للقيمين على جمول أن يتغنوا بسياسة الممانعة ثم تمادوا في الدفاع عنها ، ثم أمعنوا في مناصرتها وفي مجافاة حق الشعوب في التحرر من الاستبداد، وانخرطوا في جبهة العداء لربيع الشعوب العربية . لم يكتفوا بذلك ، بل راحوا يدينون الشعوب الباحثة عن حرياتها ، ويكيلون المديح لجلاديهم ومدمري مقاومتهم.
 
هؤلاء هم بالضبط من وافقوا على تحويل جمول إلى ذكرى وألقموا أبطالها طعم المرارة والخيبة.
 
جمول إحدى النقاط المشرقة في نضال الشيوعيين اللبنانيين . بين إشراقها وخفوتها وانطفائها مسافة لا يكفي لتفسيرها كيد الأعداء وتآمر المتآمرين . بل يفسرها أيضا عمق الهوة  بين الرواد المؤسسين اصحاب الرؤيا وورثة قصيري النظر.
 
الكاتب: محمد علي  مقلد
كاتب لبناني
من موقع الحوار المتمدن
9 سبتمبر 2012