المنشور

الوحدة العربية في جديد الثورات – د.علي فخرو

لقد كتب الكثير عن ضرورة وجود مشروع سياسي اجتماعي – ثقافي بعد نجاح
الفعل الثوري مباشرة حتى لا تبقى الثورات مجرد شعارات عامة تتلاعب بها
الأهواء ومختلف التفاسير. وهذا بالطبع ينطبق على ثورات الربيع العربي
ومختلف الحراكات الحذرية الكبيرة في مختلف أقطار الوطن العربي.

هذا
الأمر ليس مهماً فقط من أجل أن يعرف الناس أهداف الثورات كما ستتجلى في
الواقع وإنما أيضاً من أجل أن يكون هناك دليل مفصل يرجع إليه شباب الثورات
في قيامهم بمهمات مراقبة الأنظمة الحاكمة الجديدة وتقويم مساراتها إذا
انحرفت ومحاسبتها إذا تمادت في الخروج عن مسارات الثورات الرئيسية.

لكن
حتى ذلك لن يكفي، إذ هناك حاجة نفسية وذهنية وروحية لأمة نامت لعدة قرون
وهي تعيش دوراً هامشياً ذليلاً في التاريخ لأن تشعر بأنها لا تشاهد أمامها
ثورات تنشد إجراء تغييرات جذرية كبرى فقط وإنما هي أيضاً على وشك بزوغ نهضة
جديدة وانبعاث حضاري هو الآخر يتصف بالجدة.

نحن هنا لا تكفينا ثورات
سياسية، بل نريدها ثورات نهضوية انبعاثية، بمعنى أنها لا تكتفي بطرح
شعارات وبرامج يعرفها الجميع وإنما كانوا محرومين منها بفعل الاستبداد،
وإنما أيضاً تأتي بشيء جديد. وكلمة جديد ليست وصفية فقط وإنما يجب أن تشير
أيضاً إلى ممارسة فكرية بالغة الأهمية. ما تشير إليه المهمة الجديدة هو ما
يهمنا في هذا المقال المختصر، وهو كالعادة موجه في الأساس إلى شباب الثورات
المعنيين بمستقبل ما بدأوا به.

دعنا نبدأ بالتذكير بقول الفيلسوف
سلافوج زيزك في كتابه المعنون «بعد المأساة الهزل، أو كيف يعيد التاريخ
نفسه». يقول «إن الطريقة المتميزة للإمساك بالجديد الحقيقي في كل أمر
نعتبره جديد هو تحليل العالم عبر الأهداف التي اعتبرها الأقدمون أهدافاً
خالدة وأبدية».

إن ذلك يعني بأن الجدّة التي ننشدها في نهضتنا وفي
انبعاثنا اللذين يجب أن يكونا في قلب مسار ثوراتنا، هذه الجدّة لكي تكون
حقيقية يجب أن تنطلق من تحليل الأهداف القيمية الكبرى التي اعتبرت في
الماضي أبدية وليست مؤقتة. ليس المقصود بالطبع هو تقليد الماضي ولا فهم
حياتنا الحالية من خلال شعاراته وقيمه وإنما الانطلاق لبناء الجديد الحقيقي
من أهداف الماضي الخالدة.

في هذه العجالة سنكتفي بذكر مثل واحد وحدة
الأمة العربية والوطن العربي الواحد. فمنذ قيام دولة الإسلام في المدينة،
وعبر العصور والحقب، ظل هدف وحدة أمة الإسلام هدفاً مقدساً عند العرب وباقي
المسلمين. وعندما سقطت الخلافة الإسلامية في بدايات القرن العشرين أصبح
هناك هدف آخر قائم في هذه المرة على رابطتي العروبة والإسلام الحضاري. ومنذ
ذلك الوقت، وخصوصاً في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وعبر الزخم
القومي الناصري بشكل أخص، ظلت الوحدة العربية هدفاً مقدساً عند ملايين
أفراد الأمة.

اليوم ونحن نتحدث عن عناصر الجدّة الصحيحة في الجديد
الثوري نحتاج أن نتأكد بأن تحليل الثوار لحاضر الأمة ولمستقبلها ينطلق من
قيم اعتبرت في الماضي خالدة ومقدسة كالهدف القيمي للوحدة العربية. ولنذكر
شباب الثورات بأن كل مشروع نهضوي في تاريخ الأمة الحديث وضع وحدة الأمة
والوطن في رأس قائمة الأهداف الأخرى، إذ إنه هدف قيمي وجودي لا تكتمل بقية
الأهداف إلا به وبتحققه.

إذا كان في الغرب الأوروبي على الخصوص تنطلق
أصوات فكرية وسياسية تنادي بضرورة قيام حركة انبعاث جديدة مشابهة لحركة
نهضة الأنوار الشهيرة منذ ثلاثة قرون، وذلك رداً على التراجع المذهل في
القيم الحضارية الأوروبية الذي أوجدته العولمة الرأسمالية المتوحشة، فأحرى
بنا نحن العرب الذين طال أمد نومنا التاريخي، أن نجعل من هذه الثورات
الحالية بداية نهضة وانبعاث.

علي محمد فخرو

صحيفة الوسط البحرينية