المنشور

التحولات الخليجية من منظور ثقافي


جلّ الدراسات والأبحاث التي كتبت عن الحراك الثقافي- الاجتماعي في بلدان الخليج لم تتوقف بما فيه الكفاية أمام ما يمكن أن نطلق عليه مصادر تكوين المثقف الجديد في بلدان المنطقة.
 
الواقع أن ثمة دراسات مهمة في هذا السياق، ويمكن الإشارة لبعض مؤلفات الدكتور محمد الرميحي من الكويت والدكتور إبراهيم غلوم من البحرين وآخرين سواهما كأمثلة على ذلك، ولكن يظل أن هذا الموضوع مازال بحاجة إلى المزيد من الدراسة والتعمق والتفصيل.
 
ثمة وفرة في الدراسات النقدية التطبيقية على النصوص الإبداعية الجديدة في مجالات الشعر والقصة القصيرة والرواية قام بها نقاد من أبناء المنطقة، وفي غالب الأحيان نقاد من البلدان العربية الشقيقة، وليس أدل على ذلك من حجم الدراسات النقدية المكتوبة عن الأدب الجديد في بعض البلدان الخليجية الاخرى كدولة الامارات وسلطنة عمان، فرغم أنه أدب فتي حديث النشأة فان ما كتب عنه من دراسات منشورة في كتب وفي دوريات ثقافية يكاد يزيد على حجم المنتوج الإبداعي نفسه، وهو أمر له نتائج متناقضة، فمن جانب تؤدي الأعمال النقدية إلى إضاءة النصوص وتسهم في تطوير مهارات المبدعين، خاصة إذا كانوا شبابا، والأخذ بيدهم، لكنها من الجهة الأخرى يمكن أن تؤدي إلى المبالغة في قيمة النتاجات الأدبية وتحميلها أكثر مما تحتمل.
 
غالبية الدراسات النقدية إما أنها اهتمت بالجوانب التقنية في هذه الأعمال الأدبية، أي دراستها كعوالم إبداعية مستقلة عن دلالاتها الاجتماعية والتاريخية، وإما أنها بالغت في الإسقاط السياسي الاجتماعي لهذه النصوص، دون أن تتنبه كفاية إلى النظر إليها بصفتها إبداعا، فجاءت تلك الدراسات أشبه بمداخل إلى تشخيص الواقع المحلي من خلال هذه النصوص. لكن الحقل الغائب أو المغيب في هذا المجال هو ذاك الذي يمكن نعته A170; «علم اجتماع الثقافة» التي تذكرنا بها بعض الدراسات الجادة التي صدرت في بلدان المغرب العربي (الطاهر لبيب من تونس ومحمد سبيلا وعبدالسلام بنعبد العالي من المغرب وسواهم)، وهذا ما سعى إلى تناوله، على الصعيد البحريني، الباحثان ابراهيم غلوم وباقر النجار، حين يصبح المطلوب رؤية الحركة الثقافية رؤية شاملة في تجلياتها المختلفة، بوصفها مظهرا من مظاهر المجتمع المدني في تعبيراته الرمزية، وعاكسا لأشكال ومظاهر الوعي الاجتماعي والاتجاهات الفكرية والسياسية في المجتمع في سيرورته ولحظات تحوله من حال إلى حال، وليس من مدخل مؤثر وعميق كدراسة مصادر تكوين المثقف المحلي وسيلة لولوج هذا الحقل.
 
اهتم ناقد ومفكر مهم بقامة إدوارد سعيد بدراسة الثقافات الجديدة في البلدان النامية، التي شخصها في خانة «ثقافات ما بعد الاستعمار»، قاصدا بذلك تحديد الحقبة التاريخية التي انبثقت فيها هذه الثقافات، ملاحظاً انها تعبر عن أفكار وقيم ومشاعر كانت مكبوتة فيما سبق، مجهولة أو ذات سمعة مشبوهة من قبل المراكز الحضرية الشهيرة. هذه إحدى المقاربات لتناول هذا الحقل، ولكن هناك مقاربات أخرى يتعين القيام بها، بغية التحليل العميق للتحولات الثقافية، التي على ما لها من استقلالية، تظل غير منقطعة الجذور والتفاعل مع مع مجمل الحراك السياسي والاجتماعي.
 
6 أغسطس 2012