المنشور

مانديلا… نضال من أجل الحرية لا العبودية

يحتفل الزعيم التاريخي لجنوب إفريقيا نلسون مانديلا ( اليوم) الاربعاء
بعيد ميلاده الـ 94 بعيداً عن الأضواء، كما اعتاد منذ سنوات، بحسب وكالة
الأنباء الألمانية.

ومبادئ مانديلا من أجل الحرية والنضال مازالت حية
باقية عند الشعوب التواقة للحرية الغائبة، ولاسيما في بلدان المنطقة
العربية التي تشهد ثورات واحتجاجات شعبية منذ العام 2011 وحتى اليوم، من
الخليج إلى المحيط.

زمن مانديلا لم يغب عن أذهان من آمنوا بنضاله
الطويل ضد العنصرية البغيضة في جنوب إفريقيا والتاريخ الإنساني الذي يحفل
بكثير من التجارب من أجل الحرية. هذا الشعار الذي ألهم الكثيرين من أبناء
شعوب العالم للنهوض والتحرك من أجل المساواة والعدالة الاجتماعية.

وما
تشهده الساحة العربية من متغيرات وتحول نوعي هو نتيجة لتراكمات تاريخية
بسبب تفاقم الظلم والتمييز والفساد، ولا شك أن المرحلة الحالية حملت معها
ملامح جديدة لصحوة أعادت من جديد التذكير بمبادئ الإنسان في الحرية
والمساواة. ولو رجعنا إلى صفحات ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى العام 1917
التي فجّرها لينين كصحيفة «البرافدا» (الحقيقة) الروسية ونشرة «الشرارة»
الثورية التي كانت تسلح الجماهير الكادحة بالفكر الثوري ضد القياصرة الذين
كانوا يحكمون روسيا بالحديد والنار. تلك الصحيفة وتلك النشرة كانتا بمثابة
انترنت وشبكة تواصل اجتماعي في ذلك الوقت، إضافة إلى أن الساحة الحمراء في
قلب موسكو كانت قبلة الجماهير الثائرة على الظلم والاضطهاد.

واليوم
ها نحن نرى التاريخ يعيد نفسه في الميادين على امتداد الوطن العربي، الذي
اكتظ بدماء الشهداء والجرحى من مختلف الأعمار، رجالاً ونساءً وأطفالاً.

مانديلا
هو جزء من نضال الشعوب التواقة للحرية ضد العنصرية والظلم، وهو ملهم رئيسي
للشباب العربي في صرخاته وصولاته في الشوارع العربية، فبقوة الأمل انتصر
مانديلا على العنصرية، وبقوة الأمل أصبح للشعوب العربية مسار آخر لتحقيق
حريتها.

لقد كتب مانديلا عن نضاله مع الحرية قائلا: «إن الحرية لا
تقبل التجزئة، لأن القيود التي تكبل شخصاً واحداً في بلادي إنما هي قيود
تكبل أبناء وطني أجمعين. وإن المتأمل في تاريخ البشرية، المنقب في تراثها
الغني، الباحث عن جوهر التاريخ ودروسه، لابد وأن يستوقفه مدى الظلم والحيف
والجشع الذي يلطخ تاريخ البشرية عبر مسارها الطويل، ذلك الجزء من التاريخ
الذي صنعه الطغاة والعنصريون، مستندين إلى شهوة الدم والقتل، مستمدين
شريعتهم من الجيوش والآلات والسجون، رافعين سلاح الشر والباطل والبطش
والقتل والاستبداد، ليقتلوا قيم الحرية والعدالة والمساواة».

شوارعنا
العربية مليئة بالقصص والأحداث، التي تتكلم عن الحرية الغائبة في مفهوم
أنظمتنا السياسية التي لا تعرف إلا لغة القمع والتمييز ضد من يطالب بحقه
كإنسان، لأن قيمة الإنسان الحقيقية هي حريته.

أبطال الميادين
والساحات العربية كثر، وهم في ازدياد، منذ أن هبت رياح الربيع العربي، فمن
فاتسلاف هافل في تشيكوسلوفاكيا السابقة وثورات أميركا اللاتينية جمعيها،
وقبلهم غاندي وغيره من عظماء التاريخ. أما نلسون مانديلا، زهرة ربيع
إفريقيا السوداء، فقد أصبح زهرة لكل ربيع في كل أنحاء العالم، واحتفالنا
بيوم مانديلا هو احتفال بيوم من أيام الكرامة. ولا ننسى أن مانديلا توج
أعظم مثالٍ عن صراع الإنسان ونضاله من أجل الحرية، بعد نضال دام نصف قرن،
أمضى منها سبعة وعشرين عاماً داخل السجن، ليزيح واحدةً من أسوأ النقط
السوداء التي لطخت تاريخ البشرية، في نظام التفرقة العنصرية الذي حكم جنوب
إفريقيا لمدة ثلاثة قرون.

ريم خليفة

صحيفة الوسط البحرينية