المنشور

درس عماني هل يتعلم إعلامنا منه؟

حكاية جرت في سلطنة عُمان الشقيقة جديرة بأن نتعلم منها شيئا في بلدنا، حيث قامت الصحف العمانية بنشر ما عممته وكالة الأنباء العمانية في التاسع من يوليو الجاري عن الأحكام التي صدرت بحق أربعة من الادباء وهم الشاعر حمد الخروصي والقاص حمود الراشدي والمدون علي المقبالي والشاعر محمود الرواحي ، مع صور تُظهِر وجوههم وهم بلباس الاحتجاز وقد بدا عليهم التعب والإنهاك ، على غير عادة الصحافة العمانية في تغطيتها لأخبار المحاكمات.

ستون مثقفاً وكاتباً وإعلامياً عمانياً أصدروا بياناً استنكروا فيه هذا التصرف الذي اعتبروه حطاً بكرامة المثقفين الأربعة، مطالبين الوكالة والصحف المعنية بالاعتذار عن ذلك، وبإعادة نشر صور الكتّاب بـ”ما يليق بمكانتهم الأدبية والفكرية”، مؤكدين في بيانهم بأن الكلمة مسؤولية والإبداع رسالة واحترامهما هو ما يبني وعيا مستنيرا يعلي من مكانة الوطن ويعزز قيم المواطنة ويؤصل لأخلاق الإنسان الرفيعة.

الصحيفة الأبرز هناك، صحيفة “عُمان”، التي تعد صحيفة رسمية أو شبه رسمية نشرت على صدر صفحتها الأولى افتتاحية مهمة بعنوان”عمان لكل العمانيين”، لم تقل فيها للمثقفين الموقعين على البيان: الحسوا كوعكم يا شذاذ الآفاق، يا خونة، يا عملاء الأجنبي على نحو ما تفعله جهات إعلامية ورسمية عندنا وفي أكثر من بلد عربي، وإنما أشارت فيه إلى بيان المثقفين المذكور الذي اعتبرته آتيا في سياق الرأي والرأي الآخر، وفي فضاء تعددية الأفكار التي لا بد أن نؤمن بها جميعا، وأن الجريدة تؤكد أنها تمارس عملها كوسيلة إعلامية حرة تقوم بدورها في نقل أي خبر يحدث في الداخل أو في الخارج دون أن تكون طرفا فيه، أو أن لا تنحاز إلا للحق أو للحرية المسؤولة، وكل ما يؤدي لصالح عمان وشعبها”.

 وبسلوك متحضر إعتذرت الجريدة عن نشرها لتلك الصور قائلة أنها لم تكن تضمر، من وراء ذلك إلا إكمال الخبر بصوره الحية، دون أن يكون لديها أو لدى محرريها أي نية أو هدف في جرح أحد أو إهانة كرامته، وإن حدث التباس في فهم مقصدها فإن الجريدة لا تستنكف أن تعتذر لقارئها الكريم، وتؤكد له أنها ماضية على الدوام في الإعلاء من شأن كرامة الإنسان وحفظها وصونها كما نص النظام الأساسي للدولة، وكما تنص عليه كل العهود والمواثيق الدولية والإنسانية.

إضافة إلى ذلك أعلنت الجريدة: “أن رسالتها لا يمكن أن تكتمل دون مشاركة الجميع، وأن مساحاتها مفتوحة لكل الآراء الجادة والناضجة، وأن نتقبل الآخر مهما اختلفنا معه، وأن نفتح باب الحريات المسؤولة، والمساهمة في بناء الوطن لأن ذلك خيارنا الوحيد في المرحلة التي يعيشها العالم، وهو في النهاية خيار إنساني صميم لا حياد عنه”.

لم يرق هذا الاعتذار تماماً لبعض مثقفي عمان واعتبروه غير كافٍ، وهذا من حقهم، ولكننا نتحدى أجهزتنا الإعلامية ومنابرنا الصحفية في البحرين أن تتقدم بربع الاعتذار الذي تقدمت به الجريدة العمانية، جراء ما اقترفته وتقترفه هذه الأجهزة والمنابر من تشهير وإساءة بحق مثقفي وفناني وكتاب وأدباء هذا الوطن ودعاة حقوق الإنسان والتحول الديمقراطي فيه، الذين باتوا ضحية مستهدفة من هذه الأجهزة، عبر كافة أشكال الإساءة تارة باحاطة صورهم بالدوائر وبثها على الشاشات والصحف ووسائل الاتصال الاجتماعي، وتارة بنعتهم بنعوت التخوين والبذاءة.