المنشور

هل لكلٍ “بسيونه”؟

النسبة في العنوان أعلاه، رغم عدم دقتها لغوياً، عائدة إلى البرفيسور محمود شريف بسيوني رئيس اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، التي وضعت تقريرها الشهير حول ما جرى في البحرين في عام 2011، وهو التقرير الذي بات يُعرف باسم رئيسها بالذات: تقرير بسيوني.
أما مناسبة إثارة السؤال الذي منه اتخذنا لهذا المقال عنواناً، فهو الكم المتواتر من الكلام المُقال أو المكتوب في وصف وتشخيص ما جرى في البلاد، وكأن عاهل البلاد لم يقم بخطوته المهمة في تشكيل تلك اللجنة المستقلة، وكأن هذه اللجنة  لم تمكث هي والفريق الميداني للتحقيق في البحرين بضعة شهور لوضع هذا التقرير، قبل أن تقدمه إلى جلالة الملك في حفل أذيع على الهواء مباشرة، وألقى فيه رئيس اللجنة خلاصة التقرير قبل أن يتسلمه عاهل البلاد منه، وكأن جلالة الملك لم يعلن قبوله بالتقرير والتزام مملكة البحرين بتنفيذ ما حمله من توصيات.
البعض ما زال يصر حتى اللحظة على تكرار الكثير من الكلام الذي نفاه التقرير ذاته، ويتمسك بالرواية التي سوقت على مدار شهور قبل أن نحصل على تقييم نزيه ومستقل ومحايد من لجنة مرموقة وضع جلالة الملك ثقته في أعضائها، ووجد بعض ما أوصت به طريقه للتنفيذ، فيما يتعين تنفيذ الباقي بالصورة التي اقترحتها اللجنة.
استناداً إلى التقريرهناك تهم أسقطتها النيابة العامة ذاتها عن مئات المتهمين، وهناك أحكام نقضها القضاء، وهناك متهمون ثبتت براءتهم رغم ما نالوه من أذى وتشهير، وهناك عشرات المئات ممن عادوا إلى أعمالهم لأن قرار فصلهم أو توقيفهم كان غير قانوني حسب تقرير بسيوني، ومع ذلك نجد من لا يزال مصراً على موقفه في التعريض بالأبرياء والافتراء على وطنيتهم وإخلاصهم لبلدهم، ومن هللوا للأحكام القاسية التي صدرت إبان مرحلة السلامة الوطنية بدعوى احترام استقلالية القضاء عادوا يشككون في نزاهة وحيادية القضاء عندما ألغى بعض هذه الأحكام أو خففها، معتبرين كل ذلك رضوخاً للضغوط الخارجية.
لجنة بسيوني المستقلة تشكلت بناء على قرار سيادي بحريني، إتخذه جلالة الملك من أجل جلو الحقيقة ومساعدة البلد على الخروج من أزمتها، ولم تُشكلها دول أجنبية أو منظمات خارجية، وقد قبلتها الدولة حتى قبل أن ترحب المعارضة والقوى المجتمعية المختلفة بها، وعلى ضوء نتائج التحقيق التي توصلت اليها اللجنة اتضح بطلان الكثير من المزاعم التي سيقت، ولكن البعض يعز عليه أن يقبل الحقيقة، لأنه يعلم علم اليقين أن السوق لن تكون رائجة لبضاعته المسمومة، التي توغل في المجتمع تقسيما وتمزيقاً بغية منافع ذاتية أنانية.
هناك لجنة واحدة مستقلة لتقصي الحقائق رأسها البرفيسور بسيوني، وهناك تقرير واحد وضعته اللجنة واضح العبارة ودقيقها في كل ما روى وما أوصى به، ولا يحتمل التقرير قراءات متناقضة حتى يلوي البعض عنق الحقيقة، فهو واضح ودقيق، والالتزام بما رواه التقرير وأوصى به هو معيار الحرص على مصلحة الوطن ومستقبله. هناك بسيوني واحد على الجميع الالتزام بما جاء به، وليس لكلٍ “بسيونه” الخاص به يؤول أقواله على هواه.