المنشور

من يذكر ومن سيتذكر؟

من يذكر حقبة التسعينات جيداً، سيشعر الآن بشعور الخوف والقلق واليأس
والحزن ذاته الذي كان يغلف حياة الشعب البحريني بمجمله، عندما كان قانون
أمن الدولة هو سيد الموقف، وعندما كانت نقاط التفتيش تسد منافذ المناطق
والقرى والشوارع، وعندما كان المواطن ينام متوجساً على طرقات «زوار الفجر».
وعندما غادر المئات من المواطنين طوعاً أو قسراً، وعندما سجن المئات لمجرد
مطالبتهم بعودة الحياة النيابية والعمل بالدستور، وعندما كان المواطن يمشي
في ظل الحائط لا اتقاءً من شمس الظهيرة وإنما خوفاً من (…)، عندما كانت
تهمة المواطن مجرد «اسمه».

ومن يذكر حقبة الثمانينات جيداً، سيعرف
كيف تم إفقار الناس والقضاء على الطبقة الوسطى في المجتمع، وكيف تم نهب
السواحل والأراضي لتصبح ملكيات خاصة، وكيف تحوّلت المزارع و«حظور صيد
الأسماك» التي يعتاش منها البحرينيون إلى بنايات شاهقة تمتلكها فئة قليلة.
وكيف تحوّل المدرسون والموظفون وأصحاب المهن إلى طبقة مسحوقة. وكيف أصبح
المواطن ينتظر ما يقارب العشرين عاماً للحصول على بيت حكومي. وكيف أصبح
البعض يمتلك المليارات، في حين لا تمتلك أغلبية الناس دفع فواتير الكهرباء.

ومن
يذكر حقبة السبعينات جيداً، سيفهم كيف يمكن أن تعود البلاد إلى حالة العنف
كما كانت في التسعينات، وكيف يمكن أن تغيب الحريات بشكل تدريجي، خطوةً بعد
أخرى، ودون أن يشعر أحدٌ ليصحو الجميع وهو في مجتمع آخر ونظام آخر؛ وكيف
تحوّل مجتمعٌ بدأ يتنفس الحرية وخارجٌ للتو من وصاية الاستعمار إلى مجتمع
تحكمه السلطة؛ وكيف يمكن الانقلاب على الدستور… وسيذكر كيف تم حل أول
برلمان وبدأ العمل بقانون أمن الدولة.

من عاش تجربة الستينات من
القرن الماضي، يوقن أن الفرقة لا يمكن لها أن تستمر، وأن أصوات الفتنة مهما
بدت مرتفعة الآن لابد لها أن تخرس، وأن أبناء الطائفتين المخلصين إخوة
مهما اختلفوا… يوقن أن تجربة هيئة الاتحاد الوطني يمكن أن تعود مرة أخرى
أو بصورة أخرى.

من سيذكر العام 2011 بعد عشر سنوات، لن يفهم كيف
انقسم المواطنون على أنفسهم وحارب بعضهم بعضاً؛ وكيف تم تسريح الآلاف من
أعمالهم لمجرد انتمائهم لطائفةٍ معينة؛ وكيف حوكم وسجن الأطباء وأساتذة
الجامعات؛ وكيف فصل مئات الطلبة من جامعاتهم؛ وكيف تحول البعض من النقيض
إلى النقيض، وكيف أدان العالم بأجمعه الممارسات غير الإنسانية في حين صفّق
لها البعض. ولن يفهم حينها كيف اتهم نصف الشعب بالخيانة والإرهاب والعمالة
للخارج لمجرد مطالبتهم بتطبيق الدستور.

جميل المحاري

صحيفة الوسط البحرينية