المنشور

المحكمة الجنائية الدولية تسعى لمنع الإفلات من العقاب



يحتفل العالم بمرور 10 أعوام على تأسيس المحكمة الجنائية الدولية التي
انطلقت من خلال معاهدة روما في 1 يوليو/تموز 2002، وهذه أول محكمة دولية
«دائمة» تنطلق على أساس مفهوم محاكمات نورمبرغ، وهي أشهر المحاكمات التي
شهدها العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، إذ أنها قامت بمحاكمة
مجرمي الحرب، والنازيين الذين سعوا إلى هلاك من يختلف عنهم من البشر،
وحرقه، وإجراء التجارب عليه.


ولقد بلغ عدد الدول الموقعة على قانون
إنشاء المحكمة 105 دول حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2007، وقد وقَّعت 41 دولة
أخرى على قانون روما، لكنها لم تصادق عليه بعد، وقد تعرضت المحكمة
لانتقادات من عدد من الدول، منها الصين والهند وأميركا وروسيا، وهي من
الدول التي تمتنع عن التوقيع على ميثاق المحكمة. وتُعتبر المحكمة الجنائية
هيئة مستقلة عن الأمم المتحدة، من حيث الموظفين والتمويل، وقد تم وضع اتفاق
بين المنظمتين، يحكم طريقة تعاطيهما مع بعضهما من الناحية القانونية.


وتكمن
أهمية وجود هذه المحكمة من أجل الحد والمنع من انتشار ثقافة الإفلات من
العقاب، التي تنتشر في حال غياب القانون وتفعليه داخل المجتمع، الذي يتحول
إلى مجموعات وعصابات تتصارع فيما بينها، لغياب من يردع، أو يعاقب من
يتجاوز.


وقد تكون محاكمات نورمبرغ مثالاً جيدا لثقافة الإفلات من
العقاب، وهي التي بدأت في 20 نوفمبر 1945، واستمرت حتى 1 أكتوبر/تشرين
الأول 1946. وعقدتها قوات الحلفاء التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية
في قصر العدل في نورمبرغ، وقيل إن من أهم أسباب ذلك أن الدمار الشامل كان
قد دمر مباني المحاكم.


محاكمات نورمبرغ عاقبت مجرمي الحرب الذين
ارتكبوا فظائع بحق الإنسانية في أوروبا، ومن بين تلك الفظائع إنشاء معسكرات
لاعتقال المدنيين في ظروف معيشية قاسية، ولم يأبه النازيون بسلامة
المعتقلين، كما قاموا بحرق من اختلف معهم، ومارسوا أبشع أنواع الانتهاكات.


بعد
محاكمات نورمبرغ لجأت الأمم المتحدة إلى إنشاء محاكم خاصة للبوسنة وراوندا
مثلا، عبر قرارات من مجلس الأمن الدولي، ولكن هذه المحاكم الخاصة تنتهي
بعد فترة، ويكون نطاق عملها محدودا. وهذا ما دفع المجتمع الدولي إلى إنشاء
أول محكمة دائمة تكون مؤهلة لمحاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة
الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجرائم الاعتداءات،
والانتهاكات الممنهجة، على أن يأتي دور المحكمة بعد أن تعجز المحاكم في
البلدان التي تحدث فيها الانتهاكات عن القيام بدورها القضائي.


كما
إن إحالة القضايا إلى المحكمة الجنائية الدولية يتطلب أن تكون الدول التي
تحدث فيها هذه الانتهاكات الممنهجة عضواً، بحيث أن تلك الدولة تكون قد
اعتمدت الاتفاقية عبر سلطتها التشريعية، وأصدرته كقانون محلي في الجريد
الرسمية.


أما الأسلوب الثاني لإحالة القضايا فيكون عبر قرار صادر من
مجلس الأمن الدولي، والذي يستطيع أن يكلف المحكمة الجنائية الدولية برفع
قضية ضد شخص ما، كما حدث للرئيس السوداني عمر البشير، ومعمر القذافي وابنه
سيف الإسلام.


والأسلوب الثالث الذي لم يتم تفعيله بعد، هو اقتناع
المدعي العام الدولي (المختص بالمحكمة الجنائية الدولية) بخطورة القضية،
وبالتالي يدفع بالملف إلى أعلى المستويات، لكي تتحرك الدعوى.


وهي
منظمة دولية دائمة، تسعى إلى وضع حد للثقافة العالمية المتمثلة في الإفلات
من العقوبة – وهي ثقافة قد يكون فيها تقديم شخص ما إلى العدالة لقتله شخصاً
واحداً، أسهل من تقديمه لها لقتله 100ألف شخص مثلاً-، فالمحكمة الجنائية
الدولية هي أول هيئة قضائية دولية تحظى بولاية عالمية، وبزمن غير محدد،
لمحاكمة مجرمي الحرب، ومرتكبي جرائم بحق الإنسانية، وجرائم إبادة الجنس
البشري.


من هنا لابد من نشر ثقافة المنع، والتصدي للإفلات من العقاب
في منطقتنا العربية، التي تشهده عواصمها إما تحولات سياسية، أو احتجاجات
شعبية لأوضاع مضطربة تتحدى إرادة الشارع، وتتبنى منهجية الترويع، والإرهاب،
والاغتيال بدلاً من الحلول السياسية.


والمحكمة الجنائية الدولية
وُجدت لمنع هذه الثقافة التي لا تدمر المجتمعات فقط، ولكنها تدمر الدول
وأنظمتها الداخلية، لأنها تحتمي تحت غطاء «عصابات مسلحة» لا قانون تفعِّله،
أي تبني سياسية « تكسير رأس» لصالح بقائها.


واليوم بدا العالم يتصدى
لهذه الثقافة المدمرة للمجتمعات والدول، من خلال تشجيع الدول على إجراء
الإصلاحات المناسبة لتشريعاتها ‏الوطنية، وذلك من أجل حماية الفرد، وأن
تجعل قوانينها تتماشى مع واجباتها الدولية. وعلاوة على ‏ذلك، يجب تنفيذ تلك
التشريعات المحلية، بطرق منها كالتحقيق، والمحاكمة بشكل صارم وفي ‏الوقت
المناسب عن الانتهاكات الجسيمة ضد الأفراد، وإنشاء نظم لتوفير الرعاية
للضحايا.‏ وتصبح العدالة عندها عنصراً شديد الأهمية في معالجة الضحايا
والمجتمعات المحلية وتعافيها.

ريم خليفة


صحيفة الوسط البحرينية



الأربعاء 04 يوليو 2012م