المنشور

رؤية أوسع لتاريخنا الوطني


هناك حاجة لرؤية أوسع لتاريخ الوطن جديرة بأن تشكل مفصلاً رئيسياً من مفاصل النهوض بأوضاعنا، خاصة إذا ما وجدت تعبيراتها في أنشطة قوة المجتمع المدني وفي جهود العاملين في حقول الثقافة والتربية والفنون والآداب وفي المجال الأكاديمي. فللبحرين تاريخ ثقافي حافل وثري بالأعلام من رموز النهضة والتنوير والفكر الإصلاحي، وبمفردات الثقافة الوطنية التي طبعت سيماء هذا الوطن وشكلت وجدان شعبه، عبر مراحل تاريخية مختلفة، وهذه الرموز والمفردات هي ما قدم البحرين لأشقائها وللعالم بوصفها مجتمعاً ديناميكياً حياً متفاعلاً ومتفتحاً على الثقافة والأفكار المختلفة التي سرعان ما اندمجت في بنية هذا المجتمع وشكلت نسيجه الحضاري الراهن الذي يتكون من عناصر متنوعة، ولكنها جميعاً تسهم في تكريس هوية المجتمع وروحه وتوقه الديمقراطي، وبين مصادر التكوين الثقافي والفكري والإبداعي المختلفة للمثقفين والمبدعين والناشطين في حقلي العمل الاجتماعي والسياسي فإن الولاء للبحرين، وطناً وشعباً وأرضاً وتاريخاً وهُوية.

بيد أن التاريخ الثقافي في البحرين لم يكتب بعد، رغم الجهود والمثابرة التي قام بها عدد من أبرز المهتمين بالثقافة وبتاريخها في البحرين، وهي جهود غطت بعض صفحات هذا التاريخ، لكن يبقى أن المجهول أو غير المكتوب من تاريخنا الثقافي أكثر بكثير من المعلوم، ومازالت جهود كثير من المصلحين والتربويين والمناضلين الوطنيين ورجال الفكر والأدب وسواهم من بناة البحرين في صورتها الراهنة غير معروفة وغير ميسرة للأجيال الجديدة، ومازالت تسود رؤية حذرة ومترددة عند التعرض لتاريخنا ورموزه مما انعكس على الجهد البحثي المبذول، أو الذي كان أن يجب أن يبذل في هذا السياق.
 
 
ومن المتعين مغادرة هذه الرؤية لصالح رؤية أخرى شجاعة تجاه مسألة الثقافة الوطنية وتجاه تاريخ الوطن مشفوعة بموقف أكثر اتساعاً وانفتاحاً إزاء هذا التاريخ تهيئ المناخ لمضاعفة الجهود في سبيل رؤية تاريخنا بنظرة جديدة، ففي هذه الرؤية مدخل حقيقي لمعرفة أنفسنا، وإدراك العناصر التي شكلت شخصية مجتمعنا، والإمساك بإرهاصات النهضة فيه، وإعادة الاعتبار لمختلف مظاهر الكفاح من أجل الاستقلال الوطني الذي اتخذ أساليب عمل مختلفة أملتها الظروف التاريخية والسياسية في كل موقف.
 
وحَكمتنا في الماضي رؤية حذرة ومترددة عند التعرض لتاريخنا ورموزه، مما انعكس على الجهد البحثي المبذول، أو الذي كان يجب أن يبذل، في هذا السياق، وهذا يجعل من المهم بلورة رؤية أكثر اتساعاً وانفتاحاً إلى هذا التاريخ تهيئ المناخ لمضاعفة الجهود في سبيل قراءة تاريخنا، شاملاً، ومن ضمنه التاريخ الثقافي بنظرة جديدة، ففي مثل هذه القراءة مدخل حقيقي لمعرفة أنفسنا، وإدراك العناصر التي شكلت شخصية مجتمعنا، والإمساك بإرهاصات النهضة في الوطن، وكذلك بالعوامل المحفوزة للتطور فيه، وتلك التي لعبت ومازالت تلعب دور الكابح لهذا التطور. ومثل هذه القراءة لن تتيسر إلا في فضاء حرية واسع يتيح مقاربة المناطق المسكوت عنها، أو المحكومة بهواجس الحذر والتردد، التي تعيق معرفة الحقيقة، أو تحول دون رؤيتها كاملة.