المنشور

«المنبر التقدمي» وإشكالية التنظير


إن موضوع عودة المنبر الديمقراطي التقدمي إلى مظلة التحالف السداسي أو البقاء على مسافة قريبة منه – على رغم أن ذلك يعتبر لدى البعض أهم خطوة يجب على المنبر اتخاذها بعد انتخاب اللجنة المركزية والأمين العام – ليس هو ما يحدّد هوية المنبر النضالية أو إن كان تنظيماً معارضاً أم محسوباً على السلطة، فلطالما اتخذ المنبر مواقف مخالفة، ومع ذلك ظل فصيلاً أصيلاً من مكونات القوى المعارضة البحرينية.
 
بالطبع تم تخوين المنبر على مدى تاريخه لأكثر من مرة، ولكن في أكثر المواقف يثبت المنبر وبعد مرور الزمن أن قراءته للمعطيات السياسية كانت هي الأقرب للصحة، وأن مواقفه كانت تتعامل مع الظروف بواقعية سياسية.
 
قبل تشكيل المنبر التقدمي دخلت جبهة التحرير الوطني البحرانية في أول مجلس وطني بعد الاستقلال والذي تم تشكيله في العام 1973 في حين قاطعت هذا المجلس القوى الوطنية الأخرى في ذلك الوقت.
 
كما حدث ذلك بعد عودة الحياة النيابية في البحرين العام 2002 بعد أكثر من 28 عاماً من قانون أمن الدولة، إذ قرر المنبر التقدمي الدخول في المعترك الانتخابي بخلاف القوى المعارضة ليفوز بثلاثة مقاعد نيابية كان لها الحضور الأكبر في عمل مجلس النواب في دورته الأولى، ومرة أخرى يتم تخوين المنبر، على رغم أن جميع الجمعيات السياسية المعارضة اتخذت موقفاً مغايراً وقررت المشاركة في انتخابات العام 2006 على رغم أن الأوضاع السياسية ظلت كما هي ولم تتم الاستجابة لأي من مطالب المعارضة بالتغييرات الدستورية التي دعت إليها.
 
ومع ذلك وعلى رغم ما وصم به المنبر التقدمي من انتهازية سياسية من قبل البعض، ظلّ محافظاً على موقفه الثابت من الانحياز للشعب وأثبت في نهاية المطاف أن قراءته السياسية للواقع البحريني هي الأقرب للصواب.
 
ما حدث من تطورات خلال العام الماضي وما أفرزته هذه التطورات من تشظي المجتمع البحريني إلى عدة شظايا، من الخطأ من وجهة نظري حصرها في فرقتين أو ثلاث فرق على أبعد تقدير، هي المعارضة، والسلطة، الموالاة، فحتى وإن كانت الشظايا الأخرى من الصغر بحيث لا يمكن ملاحظتها في الوقت الراهن، ولكن من المؤكد أنها ستعلن عن نفسها بشكل أكبر في القريب العاجل، فلا المعارضة مشكّلةٌ من جسد واحد، ولا الموالاة متفقةٌ تماماً فيما بينها، ولا تقتصر الحكومة على الصقور فقط، وإن بدت كذلك في هذه المرحلة.
 
إن ما نعجز عن رؤيته الآن بسبب الضغوط الواقعة على الجميع، كوننا في مركز الحدث والمؤثرين فيه، سيبدو لنا واضحاً حينما نبتعد عن المشهد اليومي، فلا حل إلا الحوار، وعندها يجب على الجميع أن يقدم تنازلات موجعة، الهدف منها الحفاظ على الوطن وأبنائه.
 
أعتقد أن هذه الصورة بدأت تظهر في المنبر التقدمي قبل غيره من التنظيمات السياسية كونه الأكثر تنوعاً من حيث أعضائه والأبعد عن الحدث اليومي، وما يراه من أن الاقتتال الطائفي بين مكونات الشعب البحريني يظل الأكثر خطورةً على مستقبل الوطن.
 
لقد لمس المنبر قبل الجميع ما ارتكبه من أخطاء خلال فترة الأزمة، واعترف بها بشجاعةٍ، ولكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال تحميل المنبر لوحده تبعية هذه الأخطاء، كما أن ذلك لا يبرّر تطرف بعض أعضاء المنبر في اتجاه معاكس تماماً لمبادئه، وذلك غير مقبول على الإطلاق من أغلبية أعضاء المنبر، بحيث يحيّد نفسه عن الشارع ويلغي جميع تاريخه النضالي وينسى ما قدّمه البحرينيون من تضحيات في سبيل جملة واحدة في دستور مملكة البحرين وهي أن «الشعب مصدر السلطات جميعاً» مهما كانت هوية هذا الشعب، علمانياً، أم متديناً.
 

صحيفة الوسط البحرينية – 15 يونيو 2012م