المنشور

تعميم من الأدراج العتيقة


كان ممثلو مؤسسات المجتمع المدني في البحرين من أطباء ومحامين ومهندسين ونقابيين، وممثلات للجمعيات النسائية، هذا فضلاً عن أدباء البحرين ومثقفيها، بين قلة قليلة من ممثلي البلدان العربية الأخرى الذين لهم أن يتباهوا بكونهم مستقلين عن الموقف الرسمي، على خلاف نظرائهم في بلدان يحكمها الحزب الواحد، أو تقوم الحكومات بتعيينهم لتمثيل بلدانهم في فضاءات يجب أن تكوم مستقلة عن تدخل الحكومات، وأن تعكس الموقف الأهلي، سواء افترق عن الموقف الحكومي أو تقاطع معه في هذه القضية أو تلك.
 
أذكر أن ممثلي المعارضة المغربية حين يشاركون في مؤتمر من المؤتمرات يضعون نصب أعينهم، لا بل في مقدمة أولوياتهم الدفاع عما يعتبرونه «مغربية» الصحراء الغربية التي كانت تهيمن عليها جبهة البوليزاريو، وهو نفس الموقف الذي تتبناه الحكومة المغربية، لكنهم بالمقابل كانوا يطرحون مواقف المعارضة من الحريات والإصلاح السياسي بتصميم، وفي هذا كانوا يجمعون بين موقفهم من وحدة أراضي بلادهم، دون أن يعني ذلك تماهيهم مع الموقف الرسمي من القضايا الأخرى.
 
من الأمور التي تحسب لمؤسسات لمجتمع المدني في البحرين انها نبعت من قلب الحراك المجتمعي المستقل عن الدولة، وليس القصد هنا أنها نشأت لمغالبة الدولة، وإنما لتتوفر على أهم شرط من شروط المجتمع المدني وهو الاستقلالية، وكتبنا هنا منذ فترة أن المجتمع كان أسبق من الدولة في تنظيم نفسه في هيئات معبرة عنه، ومجسدة لمصالح وتطلعات قطاعاته المختلفة، ويعود الفضل في ذلك للشرائح الحديثة من الكفاءات المهنية والثقافية التي تلقت خبراتها الأولى في العمل النقابي في صفوف الحركة الوطنية والتقدمية البحرينية، واستطاعت أن تضع مداميك المجتمع المدني البحريني الحديث المناهض للطائفية والمعبر عن كافة فئات المجتمع.
 
صحيح ان هذه التجربة لم تخلُ من أخطاء لا سبيل لنكرانها في بعض الحالات، ولكنها أخطاء من النوع الذي يمكن التغلب عليه مع تعمق التجربة ونضجها، ولا يصح وضعها في سياق يعطيها أكبر من حجمها، لو قارنا الأمر بما بات يتهدد استقلالية مؤسسات المجتمع المدني في الفترة الأخيرة.
 
هذه الاستقلالية باتت مهددة، وأشرنا في حديث سابق إلى بعض مظاهر ذلك، ونضيف اليوم التعميم الآتي من أدراج عتيقة والموجه من قبل وزارة التنمية الاجتماعية إلى مجالس إدارات المنظمات الأهلية يقول فيه مرسلوه إن «غالبية الجمعيات والأندية لا تقوم بتزويد الوزارة بصورة من قرارات اجتماعات مجالس الإدارة خلال 10 أيام من تاريخ الاجتماع». وتعود هذه المادة إلى ترسانة التشريعات المقيدة للحريات ولاستقلالية المجتمع المدني، ومنها قانون الجمعيات الأهلية الصادر في عام 1989 في مرحلة أمن الدولة.
 
ما الذي تتوقع الوزارة أن تبحثه مجالس اداراة مؤسسات أهلية في اجتماعاتها غير وضع ومتابعة تنفيذ الخطط والأنشطة المتصلة بطبيعتها، وطبيعة المجالات التي تنشط فيها، وبالتالي يبدو مثيراً للسخرية موافاة الوزارة بمحاضر اجتماعات تتضمن تفاصيل غير ذات أهمية للوزارة، والدليل أن المشرع فطن إلى ذلك، فحرص على عدم تضمين مشروع قانون الجمعيات الأهلية الجديد الذي سيحال للبرلمان قريبا مثل هذه المادة.
 
 10 يونيو 2012