المنشور

نواب.. لــزوم ما يلزم..!


كأن المشهد البرلماني ينقصه ان ينبري بعض النواب مبدين انزعاجهم واستياءهم واعتراضهم على رسم كاريكاتوري في صحيفة محلية انتقد اداءهم وتباكوا على ما أسماه أحدهم «هيبتهم المهدورة..!!» قد نفهم زعل هؤلاء النواب، مع ملاحظة ان تفهم الزعل لا يعني قبوله، ولكن ماليس مفهوما ولا مقبولا ان تتفتق قريحة بعض النواب بالمطالبة بـ»موقف قوي تجاه هذه الاساءات»..
 
وفي تصريح لافت لا يخلو من دلالة قال احدهم:»لا يعقل ان نواجه هذه الاهانات والاساءة من الجميع، الحكومة والصحافة والناس دون ان يكون لنا موقف من ذلك»..!! تلك ردة فعل أقل ما يقال عنها بانها عجيبة ومخجلة ومحزنة في آن واحد، فالمرء ليعجب حين يجد ان هناك ممن يفترض انهم يمثلون الشعب يظنون – رغم ان بعض الظن إثم- بانهم فوق مستوى النقد، وانه لا ينبغي ان تتناولهم الألسنة والاقلام الا بالثناء والمديح والشكر العميق، ويتحول العجب الى حيرة حين يصرف هؤلاء النواب النظر عن سؤال انفسهم: لماذا ينتقدنا الناس؟ ولماذا تهدر هيبتنا؟ ولماذا تهاجمنا الصحافة؟ ولماذا اداؤنا لا يعجب احد؟ هذا هو بيت القصيد، وهذه هي الاسئلة الملحة التي لابد ان ينشغل بها النواب..!
 
المشهد البرلماني برمته زاخر بما يحتاج الى تقويم واعادة نظر وتنقية من شوائب تزيدها ممارسات نواب كثر ولا تنقصها بأنها تزهق روح التجربة البرلمانية وتفرغ القيم الديمقراطية ان وجدت من أي مضمون.. ربما على اساس ذلك يسعنا ان نجتهد وان نصنف النواب الى انواع، هو تصنيف نحسب اننا نطالعه على صحائف الواقع، والعطلة البرلمانية الراهنة قد تكون فرصة لمثل هذا التصنيف، سعيا وراء تقييم وتقويم أداء النواب لعلهم يصلون الى قناعة بان شيئا ما يجب ان يتغير.
 
هناك نائب ألفناه يضرم النار في الكلمات، وآخر يستعمل اللكمات، ونائب يظن انه مشروع وزير، ونائب تاجر مناسبات، وآخر نجح في ان يكون موظف علاقات عامة نجده مشغولا ومنشغلا بالاشادات والنفاق السياسي العلني، ونائب صاحب غرض واهواء وغاياته سهلة التسمية والتعداد، واذا تكلم او هدد او لوّح بسؤال او استجواب يعرف بعض المسؤولين بانه يتكلم لانه يريد كذا وكذا.
 
هناك ايضا نائب يوظف حاجات الناس ورغباتهم المعيشية اليومية في مشاريع وحسابات مغرقة في الذاتية، ونائب يظن انه حقق المجد ودخل التاريخ لانه اصبح نائبا، ونائب استطاع ان يوظف أزمات البلاد في خدمة طموحات شخصية لا تعرف ارتواء وهناك نائب متلبد الاحساس وآخر يستجدى الخدمات الصغيرة على حساب الامور الكبيرة.
 
القائمة طويلة، هناك نائب يعزف على كل وتر، يقابله نائب زئبقي يجيد امساك العصا من الوسط، ونائب اجتراري يحلو له اجترار النصوص والمقولات الجاهزة، ونائب يظن انه نجم مجتمع ويريد ان تكون الاضواء دائما مسلطة عليه، يسمى «النائب الشو»، لا يهمه الا ان يشغل مساحات في الصحف، وجد من يستأجره ليقوم بمهمة تسويقه وتلميعه وكتابة التصريحات باسمه، هناك ايضا النائب المراوغ يجيد المراوغة مثلما يجيد اللاعبون المراوغة في ملاعب الكرة، وهناك نائب قبيلة او طائفة او فئة او تيار او جمعية، ونائب لا تجد امامه الا ان تقول «وبعدين» او «احنا رايحين وين» ونائب يجعلنا نستسلم للتشاؤم، ونائب يمارس كل شيء باستثناء مهمته الحقيقية في التشريع والرقابة، ونائب يبحث عن اي انجاز في اي مجال، وان كان انجازا وهميا لا يقدم ولا يؤخر ونائب يجعلنا نترحم على أيام لم يكن فيها برلمان..!!.
 
قلنا القائمة طويلة، ربما اطول مما تظنون، فهناك نائب تعود ان يثير الضجيج ويستثير المشاعر، ونائب يكتفي بما يرد اليه من تعليمات ويوقع على ما يعرض عليه من بيانات ويكتفي بدور الكومبارس، وآخر تعود ان يسرق انجازات الآخرين وعندما يتناهى الى سمعه عن مشروع او اجراء تعتزم الحكومة تنفيذه او اتخاذه يستبق بالتصريح عنه حتى يوهم الناس ان الحكومة استجابت له، او ان المشروع من بنات افكاره.
 
القائمة تشمل انواعا اخرى من النواب، فهناك نائب لا احد يهتم بأمره حتى ممن انتخبوه، ونائب «يجعلك تموت من الضحك»، ونائب يهوى اللعب في الكواليس، واي لعب، ونائب يشعرنا بانه «واصل» واحيانا وصولي، وآخر يظن بانه من النخبة البرلمانية يصر على احتكار الواجهات وان يكون له حضور في مختلف المحافل والمناسبات ونائب استاذ في دبلوماسية الكواليس وفي التسويات، ونائب لا تجد امامه الا ان تقول «اركد»، ونائب تراه يضيف الى واقعنا متاعب، ويشعرك بانه جزء من مشكلة وليس جزء من اي حل، ونائب ديمقراطي ولكن على طريقته، يتكلم عن الديمقراطية ولا يمارسها، وهناك النائب الظرف الذي هو نتيجة لاجواء استفاد منها، او فتوى لم يجد امامها الناخب اي جدوى لشعارات مثل صوتك امانة او ما شابه، القائمة تشمل نائب الرغبات الذي لا ينفك ان يقدم اقتراحا برغبة تلو اقتراح وكأنه حصر دور النائب في هذه المهمة، ويقابله نائب لا تعرف هل هو حقا نائب ام عضو مجلس بلدي وآخر يمارس الفساد عندما يتوسط لينجز معاملة او يمرر مصلحة لحسيب او قريب او ناخب ليسترضيه على حساب الآخرين وحقوقهم، وآخر يحاول ان يكون نائبا ونائبا هو بحق نائب.
 
باختصار انهم حقا صورة حية لبلد بكامله، فهل سيزعل علينا اصحاب السعادة النواب ام انهم سيجهدون لعمل لزوم ما يلزم لتصحيح ادائهم البرلماني والعودة الى العمل البرلماني الحقيقي في دورتهم البرلمانية المقبلة.


6 يونيو 2012