المنشور

عن آليات الفساد العربي


مرةً، وعلى خلفية تقرير للمنظمة الشفافية الدولية المعنية بمراقبة الفساد والحث على محاربته، والذي أعطى الدول العربية معدلات عالية في انتشار الفساد في أداء أجهزتها الحكومية، أجرت شبكة «بي بي سي» على الانترنت استطلاعاً لزوارها حول رؤيتهم لاستشراء ظاهرة الفساد في بلدانهم، وكان مثيراً ولافتاً للنظر قراءة شهادات المواطنين العاديين حول هذا الموضوع، الذي عزوه للعديد من الأسباب بوسعنا أن نستعرض هنا بعضها على سبيل المثال لا الحصر:
 
– غياب العدالة الاجتماعية التي تحقق المساواة في الفرص بين المواطنيين.
– فساد القضاء وعدم استقلاليته، خاصة وأن القضاء بالذات هو المعني بتطبيق التشريعات التي تحارب الفساد والفاسدين، فإذا كانت جهة الرقابة ذاتها فاسدة، فكيف لنا أن نتوقع إمكانية القضاء على هذا الفساد أو الحد منه على أقل تقدير.
– فساد الهياكل البيروقراطية والحزبية الحاكمة في العديد من البلدان العربية، التي أصبحت هي ذاتها مضخة للفساد وبيئة ملائمة لتعميمه وإشاعته في المجتمع برمته.
– تفشي مظاهر غسيل الأموال والعمليات المالية غير المشروعة والاستثمارات المزيفة واختلاس أموال البنوك بالغش الإداري، مما يؤدي إلى إهدار أموال صغار المستثمرين والفئات محدودة ومتوسطة الدخل.
– بقاء المسؤولين والوزراء في مناصبهم لسنوات طويلة وأحياناً لعقود متوالية، مما يخلق شبكات من المنافع الراسخة العصية على الرقابة والمساءلة، ويؤدي إلى تراكم الثروات غير المشروعة ويغري بالتطاول على المال العام واستنزاف ميزانيات الدول في أعمال ومصالح خاصة.
– عدم اعتماد معايير الكفاءة ونظافة اليد ونزاهة الضمير والحرص على المصالح الوطنية العليا في التعيينات الإدارية، وتفضيل القرابات العائلية والولاءات الشخصية في اختيار العناصر المسؤولة، خاصة في المواقع الإدارية الرفيعة، مما يُثقل الجهاز الإداري بالأشخاص الفاسدين ويعمم شبكات الفساد القائمة على الولاء وتبادل المنافع.
– غياب حرمة القانون، والتطاول الصريح عليه علانية والتحايل على بنوده، خاصة مع ضعف أو حتى غياب المؤسسات البرلمانية ذات الصلاحيات التشريعية والرقابية، وتفشي الرشاوى والعمولات، بل إن كثيراً من الدول العربية تعاني من نقصٍ في التشريعات الصارمة للتضييق على الفساد والمتورطين فيه، وفي الغالب فإن الفساد يبدأ من أشخاص متنفذين غالباً ما يكونوا «فوق» القانون ويعجز القضاء عن ملاحقتهم، مما يسهم في جعل الفساد ممكناً في الحلقات الأدنى.
 
طبعاً بوسعنا أن نسهب في هذه الأسباب والعوامل بحيث لا يعود بوسع مساحة هذه الزاوية أن تغطيها، ولكن لو دققنا فيها لأمكننا حصرها في غياب الهياكل الديمقراطية الحقيقية التي تؤمن الرقابة الشعبية والبرلمانية على الأداء الحكومي وطرق التصرف بالمال العام، فمع غياب فصل السلطات وضعف المؤسسات البرلمانية ومحدودية صلاحياتها أو حتى غيابها بالكامل، وفساد القضاء أو هشاشته، يصبح المال العام مهدراً، وتصبح الموازنات العامة للدول عرضة للنهب الدائم منها بأساليب شتى، فضلاً عن تلك العوائد المالية الكبرى التي لا تُرصد أصلاً في الموازنات وتذهب في مسارات أخرى خاصة.
 
إحدى المشاركات في الاستطلاع المشار إليه ذكرت بأحد التقارير الذي يشير إلى أن أرصدة بعض الأثرياء العرب تساوي مجموع القروض والمساعدات المقدمة للدولة !
 
21 مايو 2012