المنشور

«الأرميتاج» في البحرين


حسناً فعلت وزارة الثقافة باستضافة مدير عام متحف الأرميتاج ميخائيل بيوتروفسكي، لإلقاء محاضرة عن خبرته في إدارة واحد من أهم المتاحف في العالم على الإطلاق، في واحدة من أجمل مدن الدنيا، مدينة سانت بطرسبورغ الروسية، وحسناً فعلت الوزارة أيضاً بتوقيع اتفاقية مع المتحف المذكور تتضمن أن يستضيف «الأرميتاج» والمتحف الشرقي بموسكو معرض” تايلوس ” البحريني.
 
لعقود طويلة أعاقت حواجز الحرب الباردة شعوباً وثقافات عن التفاعل مع الثقافة والفن في بلد عظيم مثل روسيا، أعطى العالم عباقرة في الأدب والموسيقى والفنون على أنواعها، وكنا في البحرين أحد هذه الشعوب التي حجبت عنها السياسة هذا الفضاء الروحي العظيم لروسيا. مع ذلك، فانه بالنسبة للمئات من البحرينيين الذين درسوا في الجامعات الروسية والسوفياتية، عبر المنح الدراسية التي كانت توفرها لهم جبهة التحرير الوطني وغيرها من التنظيمات الوطنية، تمثل روسيا ذاكرة ثقافية وإنسانية مهمة، ليس فقط لأنهم تلقوا العلم في جامعاتها ومعاهدها العليا، وعادوا ليخدموا وطنهم في مجالات الطب والهندسة والقانون والصحافة والتربية وسواها من حقول، وإنما أيضاً لأن سنوات إقامتهم فيها للدراسة عرفتهم على فضاء حضاري وثقافي متقدم، تعلموا منه الكثير، ففي موسكو وليننغراد وسواها من المدن التي درسوا في جامعاتها تتوفر المسارح والمتاحف والمكتبات التي يمكن للإنسان أن يتعلم منها الكثير.
 
وليس متحف «الارميتاج» إلا مثالاً على ثراء الثقافة في روسيا، فهو درة على جبين مدينة سانت بطرسبورغ ، الذي تحتاج زيارته لا لساعات فقط، وإنما لأيام، وحتى أسابيع للتعرف على تاريخ الثقافة بمختلف مشاربها ولرؤية ما يقرب من ثلاثة ملايين تحفة فنية، ووراء كل قطعة فنية تاريخ طويل، مثل تاريخ المتحف نفسه، الذي يعود تأسيسه إلى أكثر من 240 عاما، حين أنشأه القياصرة كخـلوة خاصة في قصر الشتاء الشهير.
 
ويعود الفضل للثورة البلشفية عام 1917 في تحويل القصر الشتوي والمباني الأربعة الضخمة الملحقة به إلى متحف عالمي، يتضمن أكبر مجموعة من اللوحات في العالم، للفنانين العظام من أمثال ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو وفنان عصر النهضة «رمبرانت» والفنانين المعاصرين أمثال بيكاسو وفان كوخ وغيرهما، وعشرات الآلاف من أندر الأيقونات المسيحية القديمة، إلى جانب الآلاف من لوحات أشهر الفنانين الروس، كما توجد في القسم الإسلامي نسخ نادرة وقديمة من القرآن الكريم.
 
في هذا العالم الشاسع مساحات هائلة من التنوع الحضاري والثقافي، وهناك ثقافات وحضارات عظيمة نحن في حاجة لولوج عوالمها، والتعرف على نفائس الثقافة والعطاء الإنساني فيها، والثقافة الروسية بالذات هي واحدة من هذه الثقافات الغنية المكتنزة بمضامينها الروحية العميقة، شأنها في ذلك شأن ثقافات الصين واليابان والهند، التي تستحق الانفتاح عليها، ومد جسور الصداقة والتفاعل الخلاق معها، بديلاً للتنميط الثقافي والأحادية التي لا ترى في هذا العالم سوى مركزها الغربي الراهن، خاصة الأنجلو سكسوني منه.