إن ما يميز المنبر التقدمي عن غيره من القوى السياسية في النظرية وفي التطبيق وان تعددت اراء الرفاق المنتمين إليه من مختلف الطوائف والأصول ، هو الواقعية في اتخاذ القرار وفي تحديد الموقف من القضايا الشاخصة في المجتمع ومن التحالف مع القوى السياسية المختلفة ، ويستمد التقدمي هذه الواقعية من امتداده التاريخي السياسي والفكري بما أكد عليه برنامجه السياسي الذي أقره المؤتمر العام الثاني في يناير 2005 ، وفيما أكده هذا البرنامج على أن المنبر التقدمي هو( تنظيم سياسي يتبنى الأفكار التقدمية ومنهج التحليل العلمي الثوري وفق الفهم الجدلي المادي والتاريخي في إدراك الواقع المحلي وتشخيص العوامل الفاعلة والمؤثرة في تطوره، ودراسة آليات الحراك الاجتماعي والسياسي وسبل توجيهها لإنجاز مهام بناء الديمقراطية وإقامة دولة القانون والمؤسسات، والنهوض بالأوضاع المعيشية لجماهير الشعب وتأمين متطلبات العيش الحر الكريم لها، وإشاعة العدالة الاجتماعية، ويستلهم المنبر كل منجزات العلوم والتراث العربي الإسلامي والإنساني التقدمي والأفكار التنويرية والعلمانية.)
ولعل قراءة فاحصة للمواقف التي أتخذها المنبر التقدمي منذ التأسيس مرورا بالموقف من دستور 2002 ، ومشاركته في الانتخابات البلدية والنيابية التي جرت منذ المشروع الاصلاحي ، ومن الاحداث التي عصفت بالبحرين وما نتج عنها من تداعيات منذ 14 فبراير 2011 ، ومن التحالف مع القوى السياسية في البحرين ، وما سجلته وثيقة المراجعة النقدية لموقفه من هذه الأحداث ، تكشف بوضوح أن التقدمي كان واقعيا فاعلا مدركا للواقع المحلي ومشخصا للعوامل المؤثرة في الاحداث و في تحالفاته مع سائر القوى السياسية بما فيها القوى السياسية الدينية ، ولم يكن المنبر أو احدا من بين أعضاءه ذيلا في هذا التحالف لأي قوي سياسية كانت ، ولم يكن عُودُ المنبر قابلا للكسر وهو ( على ابواب المؤتمر السادس حتى تهتز له العمائم ) وليس هناك ممن حضرالمؤتمر العام السادس من الرفاق قد كان له ( جهداً طائفياً تحت الطاولة حتى تنشب الطائفية اظافرها في قيادة المنبر وتدفع به رديفاً تافهاً يهزُ ذيله خلف جمعية الوفاق الاسلامية ) .
ومن تصور أو يتصور على ان الطائفية واقع في التقدمي فهو يعيش في وهم صنعه الخيال المبني على خلفية الاحداث التي عصفت في البحرين وأن من حضر المؤتمر من الرفاق ، ووحده من حضر هو الحريص على وحدة المنبر قادرا قبل غيره على قراءة وتشخيص وقائع المؤتمر بما ساده من روح رفاقية عالية في مناقشة أدبيات المؤتمر، بل أن القراءة الدقيقة لنتائج انتخاب اللجنة المركزية تكشف بوضوح أن الطائفية ليس لها مكانا في منبرنا التقدمي رغم ما نتج عن أحداث فبراير من انقسام طائفي واسع لم تشهد البحرين له مثيلا ، وهي نتيجة تاريخية تحسب للمؤتمر العام السادس .
إن ما نخشاه ويخشاه الحريصون على نضال التقدمي وبقاءه في الحياة السياسية فاعلا متفاعلا ليست هي اتهامه بالطائفية أو أن يكون له ذيلا يهزه خلف الجمعيات التي تسير عليها ، بل أن ما يؤرقنا هي تلك الكتابات الآتية ممن لم يعش واقع التقدمي معايشة حقيقية ، وليس له دراية لصيقة قريبة بصلابة ومواقف الرفاق اللذين كان لهم شرف تمثيلنا في اللجنة المركزية ولهم من الخبرة التي صقلتها التربية الصلبة في العمل السري ، و شباب تجمعهم روح اممية لا طائفية ، روح متدفقة نحو العمل ، إذ لم نجد للاسف في هذه الكتابات سوى انها تشجع وتهدف إلى شق وحدة المنبر الداخلية وتنال من ايجابيات ما تمخض عنه المؤتمر العام من نتائج ، وهي تأتي في الوقت الذي يسعي فيه الحريصون على وحدة المنبر في التوافق على توزيع المسئوليات في اللجنة المركزية ، توزيعا يأخذ في الإعتبار الكفاءة في تحمل المسئولية دون أنتقاص من كفاءة هذا الرفيق أو ذاك .
نعم تعددت أراء الرفاق وتنوعت خلال المؤتمر مما اتخذته الهيئات القيادية من قرارات بشأن المشاركة في حراك 14 فبراير وتحالفاته ، وما تلاه من تداعيات ، لكنه من العيب والتجني الغير منصف أن نصور نضال التقدمي وواقعيته قيادة وقواعد بأن له ذيلا يهزه خلف القوى السياسية الطائفية .
إن مواقف المنبر وتحالفاته كانت وستظل من الصلابة العصية على الكسر ، صلابة تركن في إطاره العام إلى ما رسمه البرنامج السياسي على أن التقدمي هو ( جزءاً رئيسياً من الحركة الديمقراطية والشعبية في البحرين، وامتداداً لتقاليدها الكفاحية. وهو من هذا الموقع يعد مشاركاً أساسياً في بلوغ التحولات التي شهدتها بلادنا في السنوات القليلة الماضية، منذ انطلاقة الإصلاحات التي دشنها جلالة ملك البلاد، حيث كان للنضال الدؤوب الذي خاضه مناضلو ومناضلات المنبر من مواقعهم الكفاحية في المرحلة السابقة للإصلاحات جنباً إلى جنب مع القوى الوطنية والديمقراطية الأخرى ومع مجموع الحركة الشعبية والجماهيرية في وطننا أثر حاسم في بلوغ هذه التحولات. وفي الظروف الراهنة فأن المنبر الديمقراطي التقدمي يعمل جنباً إلى جنب مع التنظيمات السياسية الوطنية الأخرى ومع الحركة الديمقراطية الواسعة في البلاد لبناء تحالف ديمقراطي عريض من أجل تعزيز عملية التحول الديمقراطي …. ) .
ولتعزيز مكانة المنبر في الحياة السياسية ، وفي تحالفاته مع القوى السياسية ، وفيما يمر به الوطن من محنة طائفية يحتاج أول ما يحتاج إلى تعزيز حياته الداخلية ، إذ يحتاج التقدمي لكل رفيق مهما كان عمره أوموقعه ، يحتاج لكل اصدقاءه ومحبيه ومؤيديه ، وقناعتنا التامة أن برنامجه السياسي ونظامه الداخلي هما المرجعية التي توحد صفوف أعضاءه وتصون خطه الكفاحي من أجل العدالة الاجتماعية وفي سبيل التحول الديمقراطي الحقيقي ، وتحقيق الملكية الدستورية .
إن غصن المنبر كان ( وسيبقى عوداً اخضر شامخاً في وجه رياح الطائفية وخريفها ) ، غصن سقته مياه الرفاق الاوائل النقية المتدفقة بحب العمل ، غصن زاده اخضرارأ مياه أولئك الرفاق القابضون على الجمر اللذين تحملوا المسئولية في اللجنة المركزية المنتهية ولايتها بقيادة الرفيق دكتور حسن مدن ، بنفس طويل ، لم يتخلوا فيه عن المسئولية ولا عن انشطة المنبر التقدمي رغم رياح الطائفية ، غصن سقته المناقشات الجادة والصريحة من قبل الرفاق أعضاء المؤتمر ، ونحن على ثقة وأمل أن هذا الغصن في ظل اللجنة المركزية في دورتها السابعة لن يظل أخضرا فحسب بل سيكون غصنا طويلا حين نجعل من المياه الآسنة مياه عذبة ، دون أن نتخلى عن هذه المياه الأخيرة العذبة مهما اعتراها من سدود ، ونحن قادورن على ذلك بعزيمة لا تلين.
المحامي / حسن علي إسماعيل