المنشور

متى يصدر قانون الصحافة؟


يتضمن مشروع قانون الصحافة الجديد ايجابيات كثيرة لا مراء فيها، تضمنتها مسودته الأولى التي اقترحها عضو مجلس الشورى إبراهيم بشمي واقرها المجلس منذ العام 2004، وأحالته الحكومة إلى دائرة الشؤون القانونية لصوغه كمشروع قانون، فهو يتضمن أحكاما تنص على عدم إخضاع الصحفي إلى عقوبة الحبس لممارسته عمله أو على ما يبديه من رأي، وعدم اشتراط أخذ إذن مسبق من الوزارة بالنسبة للمطبوعات الداخلية، رغم أن مخاوف جدية أثيرت من تضمين مشروع القانون موادَ تشكل جسراً بينه وبين قانون العقوبات، مما يجعل الصحافي في دائرة المساءلة عن مواقفه، استناداً على القانون الأخير.
 
كما أن مشروع القانون نص على عدم وجود رقابة على الصحافة مسبقة أو لاحقة إلا من خلال القضاء، ومنع اتخاذ أي أجراء تجاه أي صحيفة لا يكون إلا من خلال القضاء أيضاً، ومواد أخرى تنص على حرية المواطن في الاطلاع على المعلومات، وحماية سرية مصادر معلومات الصحفي، وحرية الطباعة، وتشجيع الاستثمار فيها.
 
لكن السؤال الأهم أين هو هذا القانون ومتى سيرى النور بعد مرور أكثر من ثمانية أعوام على مراوحته في المداولة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبات مؤكداً أن مجلس النواب سيرحله من جديد إلى دور الانعقاد المقبل، وليس واضحاً ما إذا كان هذا الترحيل سيكون المحطة الأخيرة لهذا القانون العتيد، الذي تعاقبت على مناقشته ثلاثة مجالس نيابية «بين 2004 وحتى 2012»، دون أن يرى النور، مع انه يشكل ركناً مهماً من أركان البنية التشريعية المنظمة للحريات العامة، والتي لحرية الصحافة موقع محوري فيها.
 
البنية التشريعية التي تنظم العمل الإعلامي والصحافي عندنا مازالت بنية محافظة ومقيدة ومثقلة بالكوابح والممنوعات، ولا تقل خطورة عن ذلك تلك «القوانين» غير المكتوبة المستقرة في الأذهان والتي يجري اعتمادها قواعد في تحديد ما هو الممكن وما هو غير الممكن في العمل الصحفي، أي ما هي الحدود التي يجب عدم الاقتراب منها. إنها حدود غير مكتوبة، ولكنها أشد صرامة من تلك المكتوبة. لم تعد أشكال الرقابة، في صورها المكتوبة: أي المنصوص عليها قانوناً، أو تلك التي تحتكم إلى الأمزجة أو إلى القوانين غير المكتوبة، قادرة على منع تدفق المعلومات، وبات ملحاً أن تتطور التشريعات المتصلة بالموضوع، وفي مقدمة ذلك سرعة إقرار القانون المذكور دون المساس بجوهره الايجابي، وتضمين مطالبات الجسم الصحافي فيه، خاصة وأن عاهل البلاد أكدَّ أكثر من مرة تطلعه لأن ينظم الصحافة في البحرين قانون مستنير، وألا يعاقب الصحفيون بالحبس جراء تعبيرهم عن رأيهم.
 
المؤمل أن تلتقط الحكومة والمجلس الوطني على حد سواء هذه الدعوة بالإسراع في إصدار هذا القانون الذي لا يزال حائرا في طريق وأروقة النواب والكتل الذين عليهم أن يدركوا إن قانونا مستنيرا للصحافة لا يمكن أن يستقيم بحال من الأحوال مع اهانة الصحفيين ومعاقبتهم، كما يصر البعض ممن لا يستطيعون العيش في مناخ مليء بأوكسجين الحرية ويريدون تنميط المجتمع كله بفكرة واحدة، ويصادرون ما في هذا المجتمع من تنوع وتعددية اجتماعية وسياسية وفكرية.