المنشور

قصة قصيرة


تجلس في حديقة المنزل الصغيرة تستمع لأصوات الطلقات القريبة، هناك اشتباكات في مدخل القرية، وروائح الغاز المسيلة للدموع تجبرك على الدخول للمنزل وإحكام غلق جميع النوافذ لكي لا يتسرب الغاز لداخل المنزل، ولكن الحمد لله فابني قد عاد منذ قليل إلى المنزل وهاهو الآن يأخذ حماماً ساخناً، قبل أن يهيأ حاجياته للمدرسة ليوم الغد.

إذاً لا داعي للخوف من أن تصيبه طلقة مطاطية أو أن تخترق جسده الصغير طلقات «الشوزن».

منذ شهرين تقريباً اتصل بي هاتفياً عند السابعة مساء وكنت على وشك الرجوع من العمل، كان يبكي بحرقة، لم أفهم ما حدث بالضبط، ولكنه قال «لقد استشهد صديقي، تم إطلاق النار عليه، واخترق رصاص «الشوزن» جميع أعضاء جسده». أحسست بألم وحزن وغضب لم أشعر به من قبل، حتى الآن لم أجد فاجعة تضاهي فقد طفل، مهما كانت الأسباب.

يالله، كيف يتم التعامل مع أطفال لم يبلغوا الحلم بعد بهذه الطريقة، وكيف يمكن أن يشكل الأطفال تهديداً حقيقياً للنظام، حتى الآن لم أستوعب ما يحدث حقاً، حتى الآن سقط أكثر من سبعة أطفال خلال المواجهات، ولم يُعرف المتسبب بقتلهم، وليس من المتوقع أن يُعرف من قام بذلك إلا يوم الحساب.

لم يكن من المتوقع إلا أن تخرج القرية بجميع رجالها وأطفالها ونسائها، للتعبير عن احتجاجهم وحزنهم لهذا الحدث المؤلم، ولكن بعد عدة أيام وبعد أن تجفّ أعواد المشموم التي نثرت على قبر الطفل، وبعد أن تجف دموع أمه وأبيه، سيعود الوضع إلى ما كان عليه سابقاً.

مع الساعة الواحدة صباحاً خفت أصوات الطلقات على القرية، يبدو أن الجميع قد عاد لمنزله بعد أن تعب، أو ربما أرضى ضميره بأن ما قام به من مناوشات مع رجال الأمن يكفي ليوم واحد، الحمد لله لقد اطمأنت اليوم الأمهات على أبنائهن, وهدأت مخاوف الآباء، فلا أخبار عن سقوط ضحايا بين المحتجين.

مساء أمس عندما كنت عائداً من العمل، لم أستطع الدخول إلى القرية، فلقد تم إغلاق جميع الشوارع والمنافذ المؤدية للمنزل، شاهدت بعض الصبية الصغار وهم يجمعون كل ما تطاله أيديهم لغلق المنافذ، يبدو أنهم من أصدقاء القتيل الذي سقط بين أيديهم منذ عدة أيام، لم أستطع مجادلتهم أو إقناعهم بأنه لا يمكنني الذهاب إلى المنزل ما لم يفتحوا لي الطريق, قالوا، اتخذ طريقاً آخر، وهكذا فعلت.

اليوم قرأت في الصحيفة أنه تم الاعتداء للمرة السابعة والخمسين على أحد المحلات التجارية من قبل بعض الصبية والأشخاص المجهولين، الخبر يشير إلى تحطيم المحل وسرقة ما يمكن سرقته من أموال وبضائع، وفي اليوم نفسه وصلتني «وصلة» على الهاتف النقال تظهر المعتدين وهم يحطمون المحل وينهبون الأموال والسجائر وأكياس«الچبس» و«السنيكرز» في حين يشير لهم أحد رجال الأمن إلى كاميرا المراقبة في المحل ليحطموها.

ربِّ احمِ أطفال وطني.
 

صحيفة الوسط البحرينية – 04 مايو 2012م