المنشور

الاستفراد بالوطــن


يبدو أن جماعة المتمصلحين من الوضع القائم، بعد أن استولوا على ما يمكنهم الاستيلاء عليه من مناصب كان يشغلها أفرادٌ من طائفة أخرى، بحيث أصبح السواد الأعظم من المسئولين في المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية من تيارات سياسية وفكرية ذات صبغة واحدة، بدأوا الآن في الاستيلاء على المناصب التي يشغلها أفراد من طائفتهم نفسها، لكن ممن لا يشاركونهم أفكارهم الإقصائية. فالغنائم التي حصلوا عليها خلال الفترة المكارثية البحرينية لم تعد تكفيهم، كما أن هذه المغانم لم تصل حتى الآن إلى جميع أتباعهم ومريديهم.
 
ولذلك بالنسبة إليهم، لابد من الحصول على المزيد من الغنائم حتى وإن كانت على حساب أبناء طائفتهم، بشرط ألا يكونوا من التابعين.
 
في الفترة الأخيرة، حصلت بعض التغيرات في مؤسسة شبه رسمية وتم استبدال أحد الرؤساء المشهود لهم بالكفاءة والانضباط والمسئولية، وإحلال محله رئيسة للقسم الذي كان يديره، لمجرد أن هذا الرئيس ليس من المحسوبين على تيار معين، وليس لديه ظهر يسنده، في حين أن من حلت مكانه لها أكثر من جدار تستند عليه. كما يتم الحديث عن قصص مشابهة في عدد من المؤسسات الرسمية، كما اتَّهم مجلس بلدي العاصمة الجهاز التنفيذي (بلدية المنامة) بـ «مخالفات قانونية شابت توظيف 14 موظفاً في البلدية»، من دون أن يتلقى المجلس البلدي أية مستندات بخصوص الإجراءات التي اعتمدها الجهاز التنفيذي في عمليات التوظيف أو أن يعلن هذه الوظائف.
 
ما يحدث الآن من الاستيلاء على الوظائف العامة والمؤسسات الرسمية والأهلية لأطراف محددة؛ لا يمكن إلا أن يجُرَّ البلاد إلى المزيد من الفساد المالي والإداري، والمزيد من التراجع والتخلف. فلا يمكن أن تحكم البلاد من قبل طرف أو تيار واحد من دون أن يقدّم مصالحه على مصلحة الوطن، ومن دون أن يحاول إقصاء الجميع ليظل هو المهيمن الوحيد وصاحب القرار الأوحد.
 
لنا أن نتخيل البحرين بعد خمس سنوات من الآن حين يتحكم طرف واحد ذو أفكار رجعية بجميع مفاصل الدولة، وكيف سيكون الوضع حينها، عندما يسيطر هذا الطرف على مجلس النواب والمجالس البلدية والمناصب العليا في الدولة والجمعيات الأهلية.
 
هذه الفترة أصبحت لمن يسمون بتجار الحرب؛ فترة اغتنام الفرص والوصول إلى المراكز العليا والغنى والشهرة، كل ذلك يحدث في غفلة من البعض وتواطؤ من البعض الآخر.
 
إن الاستفراد بالوطن واعتباره غنيمة حرب يحصل المنتصر فيها على جميع الغنائم في حين يعامل فيها الطرف الآخر كما يعامل الأعداء المهزومون، لا يمكن أن يبني وطناً مستقرّاً، ولا يمكن أن يعيد اللحمة الوطنية بين أبنائه أو أن يكون وطناً للجميع.
 

صحيفة الوسط البحرينية – 20 أبريل 2012م