المنشور

بعيداً عن الأضواء أفريقيا تصنع معجزتها الاقتصادية


في الوقت الذي تصارع فيه الولايات المتحدة من أجل إبعاد دينامياتها الاقتصادية الأساسية عن التأثيرات الضاغطة لأزمة مديونيتها وأزمة عجز موازنتها العامة، وفي الوقت الذي تواصل فيه القيادات الأوروبية للدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، عقد اجتماعات متتابعة، للحيلولة دون سقوط اليورو بعد تنقل شبح الإفلاس من اليونان إلى البرتغال وأسبانيا وإيطاليا وأيرلندا .. في هذا الوقت تواصل بقية المراكز والأقاليم الاقتصادية العالمية توسعها الإنمائي الطموح.
 
الأمر لا يقتصر على الاقتصادات والأقاليم الصاعدة المعروفة، مثل الصين والهند ورابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) التي قررت بالمناسبة تسريع عملية إقامة سوقها المشتركة لتفادي آثار أزمة اليورو وتباطؤ الاقتصادات الغربية الكبرى، الأمر يشمل هذه المرة القارة السمراء.
 
نعم القارة الأفريقية التي لطالما أهملها المستثمرون ولم يولوها أي اهتمام في الماضي، نجحت أخيراً في تغيير الصورة النمطية عنها في أجهزة الميديا بفضل الأداء المتميز الذي حققته اقتصاداتها في السنوات العشر الأخيرة المنتهية حتى عام 2010. بل إن 6 دول من أصل 10 أسرع دول نمواً في العالم خلال الفترة من 2001 إلى 2010، كانت من دول القارة الأفريقية جنوب الصحراء.
 
من دول مجموعة بريك (البرازيل، روسيا، الهند الصين BRIC) وحدها الصين كانت ضمن قائمة العشر دول الأسرع نمواً في العالم، حيث احتلت المرتبة الثانية بمعدل نمو بلغ متوسطه 10.5%، فيما احتلت انغولا المرتبة الأولى بمعدل نمو بلغ متوسطه 11.1%. والدول الخمس الأخرى الأفريقية هي نيجيريا بمعدل نمو بلغ 8.9%، أثيوبيا 8.4%، تشاد 7.9%، موزمبيق 7.9%، وراوندا 7.6%.
 
وبحسب نفس المصدر السابق وهو صندوق النقد الدولي، فإن توقعاته تذهب إلى أن القارة الأفريقية سوف تستحوذ في السنوات الخمس القادمة على المراكز السبعة الأولى من بين أسرع 10 دول نمواً في العالم، بعد أن كانت على مدى عقدين من الزمن (من عام 1981 – 2000) لا تشغل سوى مرتبة واحدة من بين الدول العشر الأسرع نمواً في العالم، وكانت من نصيب أوغندا مقابل 9 دول من القارة الآسيوية.
 
وللمقارنة فقط فإن الدول الأفريقية جنوب الصحراء حققت معدل نمو اقتصادي خلال العقد الأخير بلغ متوسطه 5.7% مقارنة بمتوسط معدل نمو حققته خلال العقدين الأخيرين لم يتجاوز 2.4%. وبذا فإن معدلات نمو الدول الأفريقية جنوب الصحراء تتجاوز متوسط معدل نمو بلدان أمريكا اللاتينية البالغ 3.3%، ولا تتخطاها سوى اقتصادات البلدان الآسيوية الصاعدة بمتوسط معدل نمو بلغ 7.9%، مع ضرورة التنويه هنا إلى أن معدل الـ 7.9% يتضمن الأداء الاستثنائي لكل من الاقتصاد الصيني والاقتصاد الهندي، ذلك أن معظم الاقتصادات الآسيوية الصاعدة مثل كوريا الجنوبية وتايوان قد حققت نمواً بلغ 4%.
 
وتذهب التوقعات إلى أن القارة الأفريقية سوف تتصدر سباق الدول الأسرع نمواً في العالم في السنوات الخمس المقبلة, وتتخطى بذلك القارة الآسيوية التي ظلت تقليدياً في الصدارة. ويتوقع ستاندرد تشارترد بنك بأن ينمو الاقتصاد الأفريقي بمعدل 7% سنوياً في المتوسط في السنوات العشرين القادمة بما يتخطى قليلاً متوسط معدل النمو الصيني.
 
ومع أن نمو إجمالي الناتج المحلي لا يعكس بالضرورة حقيقة صورة مستوى الرخاء الاجتماعي، مثلما هو الحال في حالة بلدان القارة الأفريقية، حيث ظلت حصة الفرد في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي (Real Gross Domestic Product) تتراجع لسنوات عدة، حتى إن حصة الفرد في إجمالي الناتج المحلي لبلدان القارة السمراء في عام 1980 كانت تفوق أربع مرات حصة الفرد في إجمالي الناتج المحلي للصين، انعكس الوضع اليوم لتصبح حصة الفرد الصيني في إجمالي الناتج المحلي لبلاده تفوق ثلاث مرات قرينتها للبلدان الأفريقية، والسبب هو النمو السريع للسكان في أفريقيا. ومع ذلك فإن هذا أيضاً قد تغير، حيث راحت حصة الفرد من إجمالي الناتج المحلي لبلدان القارة الأفريقية تنمو اعتباراً من عام 2000 بمعدل 3% سنوياً، وهو ما يعادل مرتين المتوسط العالمي.
 
صحيح أن اقتصادات القارة الأفريقية مجتمعة لازالت تعتبر في عداد الاقتصادات الصغيرة، إذ لا تتجاوز حصتها في إجمالي الناتج العالمي 2%، مقارنة مثلاً بالاقتصادات الصاعدة في آسيا التي تزيدها بعشر مرات، إلا أن معدلات نموها السريعة وتوجه الصين، أكبر أسواق العالم، نحو الاستثمار في الموارد والطاقات المثبتة والكامنة في بلدان القارة السمراء لتغذية طلبها المتنامي على المواد الخام والموارد الطبيعية، وإلى حد ما المساعدات الدولية واعفاءات الديون الدولية، وتحسن الإدارة الحكومية وترتيباً الإيرادات الحكومية – من العوامل التي ستسهم في تعزيز حصة أفريقيا في الناتج الإجمالي العالمي.
 
بيد أن هنالك تحديات جدية يمكن أن تعيق تسارع نمو اقتصادات بلدان القارة بصورة مطردة. من هذه التحديات وأبرزها:
 

  •  السكان الذين سيزيدون بنسبة 30% بحلول عام 2030.
  •  إن هذا النمو المتسارع تغذيه أساساً إيردات وأسعار صادراتها من الثروات الطبيعية.
  •  عدم الاستقرار السياسي وغياب حكم القانون والفساد المستشري.