المنشور

نعود إليكم بعد الإعلان


رجل يرتدي الدشداشة الخليجية البيضاء وعلى رأسه يضع الغترة والعقال، يقود السيارة الفارهة أو يوقع الشيكات من على مكتب أنيق، أو يُرجع كرسي الطائرة المريح الى الخلف بكبسة خفيفة على زر وينام «نوم العوافي» في الرحلة الطويلة التي تقله إلى نيويورك أو بانكوك، ويمكن لهذا الرجل، بالدشداشة البيضاء والغترة والعقال على رأسه، بعد أن يتلذذ بشرب القهوة أو احتساء الشاي.
 
وهكذا تكرست في المحطات التلفزيونية العربية صورة نمطية للمواطن الخليجي، الثري، المترف، ذي الملابس النظيفة البراقة الذي يوقع الشيكات وهو في كامل الاسترخاء والثقة. نموذج إعلاني جاهز أشبه بالقالب نراه في قلب كل البرامج التلفزيونية، بما فيها البرامج السياسية الساخنة وحتى نشرات الأخبار، حين يعلن المذيع أو المذيعة عن استراحة ثم «نعود إليكم بعد الإعلان».
 
وفق هذا الصورة يسود فهم أن كل أبناء هذه المنطقة غارقون في الرفاهية، حيث لا فقر ولا بطالة ولا مشاكل في السكن وغيرها، مع أن أبناء المنطقة يكتوون بنار كل هذه المشاكل، وحتى بنيتنا الأساسية التي يضرب بها المثل في التقدم في حال المقارنة بمثيلاتها في البلدان الأخرى، تكشف عن عيوب فاضحة مع كل رشة مطر خفيفة، بحيث تتحول الشوارع الى وديان من المياه.
 
اننا نقيم الدنيا ونقعدها احتجاجاً على صورة العرب المشوهة في الإعلام الغربي، ويهتم الدارسون في وسائل الاتصال والإعلام بتحديد ملامح الصورة التي يقدمها هذا الإعلام للعربي، وبشكل أخص للمواطن الخليجي، وغالباً ما يقدم هذا الإعلام كل العرب بوصفهم أثرياء ومهووسين بالنساء ومبذرين لأموال نزلت عليهم من السماء لا يعرفون ماذا يفعلون بها لكثرتها. لكننا ننسى أن الصور النمطية التي يقدمها الإعلان التلفزيوني للإنسان الخليجي هي صورة من إنتاج محلي، من إنتاجنا نحن، حتى لو بدونا محايدين أو سلبيين إزاءها، فحتى لو لم نكن نحن من ينتجها بالضرورة فإننا نشارك عبر قنواتنا التلفزيونية في ترويجها والتباهي بها، على ما فيها من” كاريكاتيرية “، فهي تقدمنا كما لو كنا ننتمي إلى زمن «ألف ليلة وليلة»، كبشر خارج الزمن، هادئي البال، لا نتردد في اقتناء السلع الفارهة والسيارات الأنيقة ووسائل الراحة والترفيه والتسلية.
 
هذا النمط الإعلاني يصبح مثالاً وقدوة. انه يقترح على الجميع أسلوب معيشة معيناً عليه التماهي معه، لتتطابق صورتنا مع الصورة المترفة التي يقدمها التلفزيون. والغريب أننا نظهر في حالة الكسل التام إزاء هذه الصورة نقبلها على علاتها ولا نجد غضاضة في التسليم بها، وأكاد أزعم أنها ترضي لدى بعضنا شعوراً بالفخر بأنه ينتسب إلى هذا النمط، رغم أننا لا نكف عن التذمر والاحتجاج على الصورة المشوهة لشعوب الخليج ليس فقط في الغرب وإنما لدى أشقائهم العرب أيضاً.
 
ولكي يكون المرء صادقاً علينا ان نعترف بأن هذه الصورة النمطية ليست افتراء بالمطلق، انها تستمد العديد من عناصرها، من نمط الحياة الاستهلاكي المدمر الذي نحياه ونحرص على تعميمه، مأخوذين بالسكرة وغافلين عن الفكرة، فنسيء إلى أنفسنا في المقام الأول قبل أن نسهم، بوعي أو بدون وعي، في تقديم أنفسنا بهذا الشكل البائس.