المنشور

عــــن الثــــقــافـــة مـــرة أخـــرى…!


الأمر ليس جديداً أو مفاجئاً فقد سبق لنواب الاسلام السياسي الهجوم على ربيع الثقافة الذي تحتفي به البحرين كل عام، أما الجديد هذه المرة فهو ان هؤلاء النواب قرروا في معركتهم الذكورية المقدسة طرد وزيرة الثقافة من «بيت الشعب»!!
 
هكذا تضافرت الجهود تحت قبه البرلمان لتتأهب لمعركة تحشد فيها كافة قواها البرلمانية وتعبّئ الاطفال ولا تدع اي معارك جانبية تشغلها عن هدفها الاسمى وهو محاربة الثقافة التنويرية والحداثة والتقدم والانفتاح الثقافي الحضاري على ارض دلمون.. ارض التعايش وملتقى الحضارات.
 
على أية حال ما حدث في تلك الجلسة البرلمانية يُعد مثالاً حياً على مصادرة الرأي الآخر والأمر المدهش ان يحصل هذا في «بيت الشعب»، وفي ظل هذا المناخ المليء بالتعصب والكراهية للابداع والانفتاح الثقافي الذي عرفته البحرين منذ عقود فلا غرابة ان تصفي تلك الاصوات المتأسلمة الغاضبة حساباتها مع الثقافة النيرة ومع وزيرة الثقافة مي بنت محمد التي بذلت جهداً كبيراً في تفعيل العديد من الانشطة الفنية والثقافية وترميم البيوت التراثية لمآرب ابداعية تضج بالفنون والندوات والامسيات الشعرية والموسيقية الراقية والبحوث الادبية والتاريخية والفكرية التي تجسّد الجوانب الانسانية والحضارية.
 
وعن الرقابة الدينية كتب د.إسماعيل سراج الدين في مقالة له: «افكار تحت الحصار» لا تقتصر اشكال الرقابة المتعددة على المؤسسات الرسمية للدولة فحسب وإنما تتجاوزها الى الرقابة غير الرسمية الموازية لسلطة الدولة والاكثر قمعاً منها في حالات عديدة، وقد تعاظم دور هذه الرقابة الموازية التي فشلت في بعض الحالات، فكانت النتيجة تشكل مجموعات ضغط معارضة للدولة وموازية لها تتخذ صبغات متعددة اهمها الصبغة الدينية التي تؤكد امكانات التعاطف بين هذه المجموعات والجماهير العريضة التي لا تزال تسود بينها ثقافة تقليدية محافظة هذا الامر الذي جعلها قادرة على الضغط والانتشار بأفكارها وليس الابتكار والابداع بما ادى الى استفحال النزعة الماضوية الضيقة لا النزعة المستقبلية المنفتحة على تجارب العالم الحي، الذي لا يتوقف تقدمه عند حد، وكانـت النتيجــة وجود اشكال رقابية جديدة مقترنة بالقمع المباشـر وغير المبـاشـر.
 
وأما اغتيال عشرات المبدعين والمفكرين في الاقطار العربية المصابة بالتطرف والتعصب الدينيين سوى عينات من القمع المقرون برقابة مجموعات التطرف الديني التي لا تقبل الاختلاف، وتعد كل خروج على ما تراه كفراً وإلحاداً، وقد اقترنت ممارسة العنف المادي المباشر الواقع على الابداع والمبدعين بممارسة القمع غير المباشر في محاولة الزج بالقضاء وتوجيهه في اتجاه معاقبة وفي مقابل ذلك يقول: وقد ترتب على ذلك كله ازدواج الرقابة ما بين الرسمية مرتبطة بالدولة او المتحدثة باسمها او نائبه عنها ورقابة غير رسمية مرتبطة تعمل على خنق مؤسسات المجتمع المدني وتقليص مساحات الحرية المتاحة وهو الوضع الذي لا يمكن فصله عن طبائع الاستبداد المقترن بصعوبة الاعتراف بالآخر وعدم قبول الاختلاف بوصفة الحق الطبيعي في السياسة والفكر والابداع والتأويل الديني على السواء.
 
على اية حال ما حدث في المحرق قد يحدث في أية مدينة خرى من مدن البحرين طالما ان الحداثة وما ينتج عنها من عمل ابداعي هو العدو الاول بالنسبة لثقافة الاسلام السياسي!! وبالتالي فلا عجب من ذاك المشهد التحريضي الاستفزازي الذي زج فيه الاطفال والناشئة ليهتفوا – دون ادراك – لا للابداع والانفتاح الثقافي!! وببساطة يعني ذلك لا للرأي الآخر!! نعم للوصاية!! .
 
وحول ما حدث في المحرق من الاهمية بمكان الاشارة الى ما كتبه الزميل فواز البلوشي تحت عنوان «المحرق المفتري عليها»، اتركوا المحرق وشأنها فإنكم مثلماً شوّهتم الدين ودنّستم طهره بجره الى مستنقع السياسة تقومون اليوم بتدنيس جمال المحرق وتزوير تاريخها وتحريف سيرتها لصالح سيرة ترفع من ارصدتكم لدى جمهوركم وتزيد من حشود المراهقين المقنعين آثاركم.
 
وقد يبدو مناسباً ان تقول: كلنا يعلم في حمأة المعركة ضد الثقافة يبدو الشاغل الاكبر لادوات الرقابة والمحاسبة البرلمانية مصادرة الرأي الآخر، خاصة اننا نسمع الآن اصواتاً نيابية تهدد باستجواب وزيرة الثقافة في حين كنا نأمل – ولا نزال – ان تفعّل تلك الادوات في عملية البناء والتطوير والتنمية وتعزيز حقوق المواطنة وقيم الحرية والديمقراطية. وعلى ضوء هذا نتساءل: متى تتفرغ تلك الاصوات الساخطة على الثقافة لمثل هذه القضايا؟ هذا ما نود معرفته بل هذا ما يطرح وبإلحاح في الشارع البحريني.
 
الأيام 14 أبريل 2012