المنشور

الحرب ضد الثقافـة


إن كانت الثقافة كما عرفها مقدم السؤال البرلماني لوزيرة الثقافة هي «أسلوب حياة يلمسه الآخرون في سلوكك قبل أن يلمسوه في فكرك وحديثك، وأنها تمثل الرقي الفكري»، فإن ما يبدو واضحاً هو أن أكثر نوابنا الأفاضل لا يملكون ولو حظاً بسيطاً من هذه الثقافة! فقد حوّلوا جلسة مجلس النواب الأخيرة إلى معركة استخدموا خلالها الكلمات البذيئة والصراخ الذي ينم عن مستوى ثقافتهم وتحضرهم، بدلاً من أن يدفعوا الحجة بالحجة، والرأي بالرأي، حتى أنهم لم يتحملوا سماع الطرف الآخر، ولم يتيحوا له الفرصة لطرح وجهة نظره، بل قاموا بطرده من المجلس بأسوأ أسلوب، وبأفظع الكلمات، متناسين انهم يتعاملون مع امرأة يجب أن تعامل باحترام كإنسان، مهما بدت درجة الخلاف، قبل أن تكون وزيرةً يعارض البعض أفكارها وتوجهاتها، وبذلك أظهروا مدى احترامهم للمرأة بشكل عام.
 
لست في وارد الدفاع عن وزيرة الثقافة، فالوزيرة قامت كغيرها من المسئولين بفصل ما يقرب من 13 من أبناء الوطن من مثقفين وكتاب من وزارتها، أو على أقل تقدير سمحت بذلك، وهو ما يُعتبر إجراءً ضد حرية الرأي والتفكير، والتي لا يمكن لأي مثقف أو فنان أن يبدع دونها.
 
ما يجب الدفاع عنه هو المبدأ وحرية الناس في الاختلاف، وألا يفرض علينا فكرٌ بعيدٌ عن العصر بحيث لا نرى أو نسمع أو نقرأ، إلا ما يجيزه الرقيب، والذي يريد البعض أن يأخذ دوره ويحل محله بحجة أنه يمثل الشعب!
 
فعن أي ثقافة يتحدثون وهم يرون في الفن والغناء والموسيقى وحتى الرسم والنحت… كفراً وفسوقاً ومجوناً؟ لقد تميّزت البحرين بانفتاحها على الثقافات المختلفة منذ القدم، وحافظت على وسطيتها واعتدالها، وأتاحت المجال لممارسة الحريات الشخصية، بفضل طيبة شعبها وتسامحه وحضاريته، ولكن هناك من يريد أن يلغي كل ذلك ويطبق تجارب خارجية بعيدة عن طبيعة أهل البحرين ليفرض على الناس قناعاته وأفكاره الرجعية من خلال التسلط والإرهاب الفكري.
 
الغريب هو صمت بعض المثقفين الذين هاجموا القوى المطالبة بالإصلاح بحجة واهية لا يوجد دليل واحد يساندها، وهي السعي لتطبيق ولاية الفقيه في البحرين، فأين هم الآن ممن يريد تحويل البحرين إلى أفغانستان أخرى؟ ولماذا صمتوا عن القوى الرجعية والظلامية التي برزت بصورة جلية من خلال محاربتها للتطور والثقافة والفن؟
 
لا يمكن لهذه القوى الظلامية إلا أن تأخذ موقفاً موحداً من جميع أشكال التقدم والتطور والتحضر والرقي الفكري، ولذلك هي تقف ضد الإصلاح وضد الديمقراطية وضد الانفتاح والحريات، بسبب أن أقصى ما تتمناه هو الرجوع إلى الخلف، إلى عصر العبيد والجواري.
 
 

صحيفة الوسط البحرينية – 06 أبريل 2012م