المنشور

ما قبل خيرت الشاطر وما بعده


إلى أية درجة يبدو قرار الإخوان المسلمين في مصر بتقديم مرشح عن الجماعة لانتخابات الرئاسة مفاجئاً، هم الذين عكفوا على طمأنة المجتمع المصري، وخاصة قواه الليبرالية المدنية والأقباط والنساء والأوساط الثقافية والأكاديمية، أنهم زاهدون في هذا الموقع؟
 
حتى أيام معدودات مضت كانت أوساط نافدة في الحزب تؤكد التزام الجماعة بما تم الإعلان عنه من قبل بأنها لن تُرشح أحداً، من طرفها، لرئاسة الجمهورية المصرية، مضيفة أن ذلك يتوافق مع قرار الجماعة بأن حزب الحرية والعدالة سيقف على مسافة متساوية من كل المرشحين للرئاسة، كما كان المرشح الرئاسي القريب من الجماعة عبدالمنعم أبوالفتوح أكدَّ الأمر نفسه حين قال: «إن الإخوان المسلمين حركة إسلامية ولا تريد أن تكون لاعبا سياسيا، وأنها لا تسعى للوصول إلى السلطة السياسية»، مضيفاً أن الأخوان لا يطمحون لإقامة حكم إسلامي في مصر لأن الدولة الإسلامية قائمة في مصر منذ تأسيسها قبل 1500 سنة، ولا داعي لإنشائها، وإنما من الضروري تطويرها وإصلاحها.
 
ولكن سرعان ما بدا أن ذلك الإعلان انطوى على الكثير من التضليل الذي ينال من صُدقية الجماعة وصورتها أمام المجتمع، حتى لو كانت نشوة اكتساحها للانتخابات البرلمانية تُعميها، هذه اللحظة، عن رؤية الحقيقة.
 
العارفون بتركيبة الجماعة وما هي عليه من براغماتية سياسية يؤكدون انه لا يوجد مقدار ذرة واحدة من المفاجأة في ذلك، فالإخوان نفسهم كانوا قد أعلنوا بعيد سقوط نظام مبارك وعشية انتخابات مجلس الشعب أنهم لن يتقدموا بما يزيد عن 30% من أعضاء البرلمان، ليفسحوا المجال للقوى الأخرى كي تكون شريكة لهم في السلطة التشريعية، ولكنهم سرعان ما نقضوا إعلانهم، وتقدموا بالعدد الذي يضمن لهم الأغلبية في مجلسي الشعب والشورى.
 
ما يصح على هذه الانتخابات يصح على طريقة تشكيل الهيئة المناط بها كتابة الدستور المصري الجديد، حيث عمد الإخوان إلى الهيمنة على الهيئة وتهميش القوى الأخرى، مع أن الأمر يتصل بصورة الوثيقة الدستورية التي ستحدد صورة مصر المقبلة، والتي لا يجوز بحال من الأحوال أن تنفرد قوة واحدة برسمها، خاصة حين يدور الحديث عن بلد بعراقة وثقل وعمق مصر، وقوة تقاليدها السياسية، ووجود أدمغة لامعة بين أبنائها في مجالات التشريع والرؤية السياسية.
 
باعلان الجماعة عن ترشيح نائب مرشدها العام رجل الأعمال خيرت الشاطر، وفي صفته هذه بالذات ما يشي بطبيعة البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الذي يحمله الأخوان لمستقبل مصر، تكون الحركة قد برهنت أنها في سباق مع الزمن، وأنها ليست في وارد إضاعة الفرصة التي تجدها مؤاتية لكي تمسك بكامل مفاصل الدولة المصرية في هذا المنعطف التاريخي.

بهذ القرار يضع الأخوان المسلمون أنفسهم ويضعون مصر كلها أمام تحدٍ كبير، ليس لأنه ليس من حقهم أن يتقدموا بمرشح للرئاسة، خاصة وأن ميزان القوى الراهن يغريهم بخوض معركة الرئاسة وربما كسبها أيضاً، ولكن المشكلة تكمن في مكان آخر، هي أن هذا الخيار بالذات حتى لو جاء عبر صناديق الاقتراع، يحمل مؤشرات مقلقة لقوى عديدة تحمل الكثير من الهواجس تجاه الإخوان وتجاه برنامجهم السياسي والاجتماعي.
 
2 أبريل 2012