المنشور

ما قالــهُ هيكـــــــل


يروي محمد حسنين هيكل حكاية من جزأين، أو فلنقل أنها حكايتان لا حكاية واحدة، لكن كليهما تؤديان المعنى الذي أراد الوصول إليه. في الحكاية الأولى يقول انه التقى، في عهد الرئيس حسني مبارك، بوفد من قيادة الإخوان المسلمين في مصر، حيث درجوا على اللقاء به بين الحين والآخر، وفي هذا اللقاء قال لهم، من واقع قراءاته لدهاليز السياسة الدولية، أنه لا يتصور أن الغرب سيوافق على أن يحكم الأخوان المسلمون مصر، فالغرب لن يتحمل قيام حكم إسلامي على الضفة الأخرى من البحر المتوسط المقابلة للضفة الأوروبية منه.
وواصل هيكل حديثه راوياً الحكاية الثانية، انه التقى بالوفد ذاته بعد انتصار ثورة 25 يناير وسقوط نظام الرئيس مبارك، فبادره أعضاء الوفد بالسؤال عما إذا كان يرى أن ثمة تغييراً في الموقف الأمريكي، والغربي عامة، من أن يحكم الأخوان مصر، فأجابهم هذه المرة انه يرى ان «الفيتو» الغربي عليهم قد رُفع، ولكنه حذرهم من مغبة لعبة أمريكية شاملة لدفع المنطقة برمتها نحو مواجهة مذهبية سنية – شيعية.
 
يمكن العودة إلى حديث هيكل كاملاً لمعرفة ما قاله من تفاصيل، ولكن الذي يعنينا هنا ملاحظة أن الغرب بات شريكاً اليوم في تمكين القوى الاسلاموية في أكثر من بقعة عربية في أن تصبح في مواقع القرار، ليس فقط، لأنه يتعامل مع أمرٍ واقع تفرضه عليه المعطيات الموضوعية كون الإسلاميين، السنة والشيعة على حدٍ سواء، في هذه اللحظة هم الأكثر تنظيماً وشعبية، وإنما لأن هذا الغرب يحبذهم على سواهم، ونزعم انه ساهم في تدعيم مواقعهم خلال العقود الماضية.
 
يكفي أن نراجع أداء بعض الفضائيات العربية التي لمَّعت وجوه التيارات الإسلامية وخصصت لها ساعات من البث اليومي، لا الأسبوعي فقط، بدءأ من القاعدة وامتداداتها مروراً بالإخوان المسلمين وانتهاء بما يعرف بالوجوه الإسلامية المعتدلة، قبل أن تعصف بالمنطقة تحولات العام الفائت، التي أظهرت أن هذه القوى باتت قوة ميدانية كبيرة، لم يتوان الغرب عن تقديم الدعم اللوجسيتي لها كما فعل في ليبيا، وربما كما ينوي أن يفعل في بلدان عربية أخرى.
 
كانت إستراتيجية الأنظمة العربية التي انهارت أو المهددة بالانهيار في استجداء الدعم الغربي لها قائمة على تخويف الغرب من الإسلاميين كخطر ماحق، ولسان حالها يقول: إما أن تقفوا معنا وإلا فان القاعدة قادمة، أو أن «الاخوان» قادمون. هذا ما فعلته مصر مبارك وتونس بن علي واليمن علي عبدالله صالح، ولكن هذه الأنظمة لم تفطن كفاية إلى لعبة الأمم الكبرى، ففي اللحظة المؤاتية يتخلى الغرب عن الحلفاء واحداً بعد الآخر، بعد أن يكون قد أعد العدة لهذا الأمر منذ زمن. فالغرب الذي ناصر صدام حسين في حربه ضد إيران أطاح به في حرب كانت إيران، الخصم المفترض للغرب، أول المستفيدين منها، وواشنطن التي صدرت لحسني مبارك تمسكها به رئيساً وبابنه جمال وريثاً، ظهر رئيسها ووزيرة خارجيتها على الهواء مباشرة ليعلن: على مبارك أن يتنحى، وبالطبع لم يكن غائباً عن ذهن الرئيس أوباما ولا السيدة كلينتون، ما الذي سيحدث بعد ذلك.