المنشور

أمام السؤال الشائك


ثمة سجال قديم – جديد عن مدى قابلية المجتمعات العربية – الإسلامية للتحولات الديمقراطية، فيه تذهب بعض الأطراف إلى استحالة مثل هذه التحولات بسبب عوامل ثقافية أو تاريخية تحمل طابع العداء المبطن والازدراء للآخر، وتذهب أطراف أخرى إلى أن هذه الاستحالة ناجمة عن طبيعة الدولة العربية وهيمنتها المطلقة على المجتمع وعلاقاتها التحالفية مع الغرب، ويعود هذا السجال إلى موقع الصدارة في ظروف العالم العربي المستجدة، بعد تحولات العام 2011والتداعيات المستمرة لها حتى هذه اللحظة.
 
ومن الأمور المهمة التي استجدت في هذا السياق، الصعود غير المسبوق لنفوذ التيارات الإسلامية، لا على صعيد تأثيرها في المجتمع، فهذا أمر سابق، وإنما أساساً لأن هذه التيارات هي من قطف ثمرات هذه التحولات، إذا ما نظرنا للأمر من زاوية مخرجات الانتخابات التي شهدتها بعض البلدان العربية، وكذلك من زاوية كون هذه التيارات هي القوة الطاغية في تقرير مجرى ما يدور من تحركات في الشارع.
 
ويبدو مفهوماً أن يطرح على بساط البحث مدى قدرة هذه القوى على قيادة، ناهيك عن تحقيق الأجندة المعلنة للانتفاضات والثورات والتحركات الشعبية في غير بلد عربي المطالبة بدمقرطة المجتمعات العربية، في حين يعرف عن هذه القوى شموليتها الايديولوجية وانغلاقها على منظومة المفاهيم الخاصة بها، وحذرها، لا بل ورفضها للرأي الآخر، وهذا ما تشي به بعض علائم سلوك هذه القوى بعد أن استوى لها الأمر.
 
فهل ما أخفقت في تحقيقه الأنظمة السابقة التي جاءت، في كثير من الحالات، من رحم حركات قومية وعلمانية، سيتم على يد الحركات الإسلامية الصاعدة التي لا يوجد في تاريخها ما يدل على قابلياتها الديمقراطية، ولا تتوفر حتى اللحظة، مؤشرات جدية على رغبتها في اكتساب هذه القابليات، أخذاً بعين الاعتبار ما تكشف عنه تجارب الكثير من الثورات في أن المسافة شاسعة بين تلك الشعارات التي ترفعها وبين قدرة من ينتصر في وضعها موضع التطبيق، بل كثيراً ما يحدث التناقض بين جذرية مطالب التحركات الشعبية التي تستوعب في صفوفها قاعدة جماهيرية كبيرة، وبين براغماتية من يقودون هذه التحركات بعد أن تنتصر.
 
وهذا يجعلنا نقف أمام معضلة السؤال الشائك: هل يمكن بناء الديمقراطية من خلال قوى غير ديمقراطية، وفي هذا مفيد الاستماع لرأي سديد يطرحه الباحث المغربي محمد سبيلا الذي يرى أن الديمقراطية هي الترياق المؤسسي ضد أي نزعة سلطوية شمولية، ولأنها كذلك فهي لا تستقيم مع إرساء السلطة على أساس إيدولوجي ديني أو دنيوي، لأن مثل هذا الأساس كان في الأغلب الأعم مبرراً لسياسة القمع ومصادرة الحريات وممارسة حكم شمولي بدعوى تحقيق أهداف سامية.
 
حكماً من بعض الخطاب السياسي والشعاري الدارج اليوم، يبدو أن هناك تنبهاً لهذا الأمر بدليل أن كثيراً من القوى التي كانت تركز، فيما مضى على برامجها الاجتماعية والسياسية وتعد باليوتوبيا الخاصة بها، صارت تكثر من استخدام مصطلحات التعددية، وهنا أيضاً ينبغي توخي الحذر، فهل يتصل الأمر بتحولات بنيوية في تفكير وسلوك القوى التي ترفع هذه الشعارات، أم أنه يندرج في سياق المناورة السياسية، التي تُخفي ولا تنفي.