المنشور

تصريح الساعاتي


التصريح المطول لعضو مجلس النواب أحمد الساعاتي، المنشور في صحافة الأمس، حمل العديد من النقاط المهمة الجديرة بالعناية، والتي تتفق من حيث الجوهر مع رؤى ومطالبات قطاعات شعبية مهمة وشخصيات وطنية لها وزنها في المجتمع، من منطلق الرغبة في تجاوز الأزمة الراهنة، التي كلما تأخر حلها، كما ذهب إلى ذلك الساعاتي محقاً، استفحلت أكثر واستعصت على الحل بسبب شحن النفوس وتوسع دائرة المعارضين أو المتشائمين لطول فترة الانتظار.
 
وسعى الساعاتي في تصريحه لتحديد مسؤوليات الدولة من جهة والمعارضة من جهة أخرى لتحقيق الحل، لكنه كان محقاً في أن الدولة بالذات، من حيث كونها صانعة للقرار السياسي، ومسؤولة أمام جميع مواطنيها تتحمل مسؤولية أمن واستقرار الوطن والمواطنين وذلك من خلال استراتيجية قائمة على العدل والمساواة في عملية البناء والمشاركة السياسية.
 
وكما تجمع غالبية القوى السياسية والمجتمعية في توصيات تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، فإن الساعاتي يرى أن هذه التوصيات تشكل الأساس السليم للبدء بأي مراجعة سياسية أو للدخول في حوار بين الفرقاء ولا سيما بعد أن أكد عاهل البلاد التزامه بتنفيذ جميع بنودها، والذهاب إلى حوار وطني بمشاركة جميع القوى السياسية المؤثرة يكون للمصارحة والمكاشفة والعمل وليس منتدى للخطابة والعلاقات العامة، مع ما يقتضيه ذلك من ضرورة الاعتراف بالآخر والقبول بتقديم تنازلات مؤلمة من اجل الوصول إلى تسوية تضمن مشاركة الجميع في الحكم. وهذا يتطلب، برأيه، الإدراك بأن نهج الدولة البوليسية قد ولى، لأن الزمن قد تجاوزه بسبب الوضع الدولي ووسائل الاتصالات التي تنقل كل صغيرة وكبيرة في لحظة وقوعها، كما يتطلب ذلك إدراك المعارضة أن هذا الوطن ليس حكرا عليها وحدها، وأن ثمة مكونات أخرى لا يصح تجاهلها، كما لا يصح لهذه المكونات، بدورها، تخوين المعارضة أو ربطها بالخارج بدون دليل لمجرد أنها تطرح رؤية مخالفة.
 
وبالنسبة للأزمة الطائفية والمشاكل الأمنية في المناطق فيرى النائب الساعاتي أنها ستحل تدريجيا متى ما انحلت المشكلة السياسية التي تغذيهما وتوفر الوقود اليومي لهما مشددا على دور الدولة في تدشين خطة متكاملة لمحاربة الطائفية بدءا من برامج التعليم في المدارس وإصدار تشريع يجرم الطائفية وانتهاء بتفكيك الانعزال السكاني الطائفي القائم حاليا من خلال انجاز مناطق سكنية مشتركة، تنهي العزلة والتباعد بين الطوائف.
 
هذه النقاط ونقاط أخرى تفصيلية، لكنها مهمة، تحمل رؤية نقدية لأداء الدولة والمعارضة على حد سواء في طريقة إدارة الأزمة التي مررنا بها، ولم نخرج من متاهتها حتى اللحظة، وردت في تصريح النائب الساعاتي تأتي في وقتها المناسب، حين تتزايد القناعة العامة في المجتمع بأنه لا بد من الخروج من نفق الأزمة بأسرع ما يمكن، عبر تدابير جدية وصادقة، وتساهم في بلورة خطاب للحل على مختلف الأطراف العمل في سبيله، وهذا يتطلب، فيما يتطلب، أن يكون خطاب أجهزة الدولة بالذات واضحاً وشفافاً وموحداً تجاه رؤيتها للحل، وتجاه رغبتها في تحقيقه، بما يساعد على خلق رأي عام مقتنع بأهمية هذا الخيار، كونه الخيار الوحيد الذي على العقلاء في مختلف المواقع الالتفاف حوله.