المنشور

هل نلغي ربيع الثقافة ؟


هل عدمت القضايا المهمة والمؤرقة في البلد، التي تثقل كاهل المواطن اللاهث وراء لقمة عيشه وكرامته، وهل وجدت طريقها للحل قضايا الفساد المالي والإداري ومعضلات التنمية، وتأمين الخدمات الاجتماعية للمواطنين بالصورة التي يرتجونها في مجالات الإسكان والصحة والبنية الأساسية وسواها؟ هل تمَّ كل هذا بالفعل، أو أنه على وشك أن يتم، لكي لا تجد بعض الكتل النيابية سوى بعض الحفلات الفنية التي تشهدها البحرين حالياً ضمن مهرجان ربيع الثقافة السنوي، لكي تفتعل حولها معركة يصحبها غبار كثيف، كأن المجلس النيابي يقوم بالمهام المناطة به على أتم وجه في مجالات التشريع والرقابة على الأداء الحكومي، بما في ذلك التحقيق في الوقائع الدامغة للتجاوزات المالية والإدارية الواردة في تقارير ديوان الرقابة التي تحتاج إلى عدة لجان تحقيق دفعة واحدة، لهول ما ورد فيها، وهو بإجماع البلد كلها ليس سوى غيض من فيض، فلم يجد النواب ما يسلون به أنفسهم ويجزون به وقتهم سوى إثارة الزوبعة ضد الأنشطة الفنية المقامة.
 
مازلنا نتذكر الحملة التي شنها مجلس النواب في الفصل التشريعي السابق ضد بعض أنشطة ربيع الثقافة، ولا تبدو الحملة النيابية الحالية خارجة عن السياق نفسه، حتى لو تذرعت بما يجري من فظائع ضد الشعب السوري الشقيق ليكون عنواناً للمطالبة بتجميد النشاط الثقافي والفني في البلد، وكأن الشعب الفلسطيني وغيره من الشعوب العربية لم تكن تتعرض للمذابح طوال السنوات المنقضية على أيدي قوات الاحتلال الصهيوني وعلى أيدي أنظمة عربية ديكتاتورية، فلمَ لمْ نطالب بالأمر نفسه فيما مضى من سنوات، لأن دم الأبرياء الذي يراق في أي مكان من هذا العالم العربي المنكوب بالاحتلال والاستبداد له الحُرمة ذاتها.
 
الفلسطينيون الرازحون تحت الاحتلال يقيمون في رام الله والقدس وغيرها من مدن فلسطين المعارض التشكيلية والحفلات الموسيقية والعروض المسرحية، وهم الذين يواجهون ماكنة العسف الصهيوني اليومية التي تقتل النشطاء والأبرياء، وتحشد في معسكرات الاعتقال الآلاف من الفلسطينيين نساء ورجالاً، كأنهم يبرهنون على مقدرتهم في الحياة والعطاء رغم قسوة العيش وفظاعة الاحتلال، وكان شاعر فلسطين الكبير محمود درويش لسان حال شعبه وضميره حين هتف ذات قصيدة: ” نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا “.
 
ونحن نقرأ ونسمع هذه الدعوات نتساءل: أي مشروع للمستقبل تعد به البحرين كتلنا النيابية هذه إذا كانت تضيق ذرعاً بحفلات فنية تؤديها فرق راقية معروفة على المستوى العالمي، وأي سلم للأولويات يحكم أداءها إذا كانت قادرة على غض الطرف عن قضايا الوطن والمجتمع المؤرقة والمقلقة، وعدم التوجه نحو معالجة ما هو داخل في صميم عملها التشريعي والرقابي في الأمور المفصلية التي تمس حياة المواطن البسيط؟ ونحن لا ننظر للأمر من هذه الزاوية فقط، وإنما من زاوية أشمل تتصل بصورة البحرين التعددية التي استوعبت، عبر مسار تاريخي مديد، تنوع أنماط العيش والسلوك والثقافة والذائقة الفنية، التي تجعل المجتمع ينفر من أية فكرة شمولية تريد إملاء أحادية ثقافية أو اجتماعية، تصادر ما فيه من تعدد وتُجيره قسراً لفكرة واحدة أو نمط تفكير بعينه.


12 مارس 2012