المنشور

ماذا بعــد ..؟


هذا هو السؤال الذي نحسب انه يختصر الحاجة الى اسئلة متعددة ومتشعبة بعد كل هذا الذي تكشف من تجاوزات ومخالفات جسيمة رافقت مسار الإصلاح هي في اصلها ومنتهاها وجه فاقع من اوجه الفساد والتطاول على المال العام. لجنة التحقيق البرلمانية التي كشفت عن ذلك اخيرا ومؤخرا وفي مؤتمر صحفي بينت للجميع الى اي مدى كان المشهد في هذه القضية من أوله الى آخره حافلا بالتفاصيل المفجعة على نحو ترجم بصدق مقولة « الشيطان يكمن في التفاصيل»، عبر ممارسات ضربت بعرض الحائط بقوانين ونظم ولوائح واصول واعراف واجراءات ادارية وتنظيمية ومالية ورقابية وتعاقدات والتزامات، وغيبت وبالعين المجردة كل قواعد المتابعة والتقييم والتقويم والمحاسبة مما لايحتاج المرء معه الى «فهامة» لكي يستوعب شيئاً مما جرى، وكيف ولماذا جرى..؟! ولكنه يبدو انه بحاجة الى استيعاب وفهم تعليقات بعض اعضاء لجنة التحقيق الذين تحدثوا في المؤتمر الصحفي كما لو ان العقل في غيبوبة والمنطق صار اخرسا، فهي اقوال تدهش ايما دهشة وتكاد تضعنا ام وضعتنا والسلام امام علامات استفهام وتعجب شتى..!!
 
بعد كل هذا الذي اتضح للجنة من تجاوزات ومخالفات مذهلة يبشرنا احد اعضائها «بان الامر قد يرتقي الى مستوى فساد مالي!!»، وبشرنا آخر بقوله: « لم نجد سرقات ولكن لدينا شك كبير..!!، ذلك وغيره كلام موثق ومنشور.. وكأن هذا الذي تكشف لهم بهذه الدرجة وهذه الحدود من التجاوزات والمخالفات والاخطاء ليس كفيلا باقناعهم بتسمية الشيء باسمه مادام هذا الاسم يفرض نفسه وهو الفساد..!!
 
لانظن – رغم ان بعض الظن اثم- بان رئيس لجنة التحقيق البرلمانية بحاجة الى من يذكره ويذكر زملاءه في اللجنة بتصريحه المنشور في الصحف «15 يونيو2011» فهو وليس غيره القائل: «ان الفساد المالي والاداري في مشروع مستشفى الملك حمد فاق التوقعات»!!. هل هي زلة لسان ما جاء في هذا التصريح، وهل ما نسب الى عضوي لجنة التحقيق له بواعثه او وجاهته مما لايجدي فيه توضيح او تحليل الآن على الاقل.
 
 على اي حال لا يهمنا من ذلك كله الا ما اعلن ونشر، ففيه من الحيثيات والتفاصيل والوقائع حتى وان كانت في حدها الادنى مالا يدعو مجالا للشك باننا امام قضية خطيرة ومعقدة وشائكة، وملف من ملفات النكد التي سيكون السكوت عنها امرا مشينا يدين الجميع، من شارك ومن تواطأ، ومن تراخى، ومن صمت. الا يكفي ان تعلن لجنة التحقيق وليس غيرها بانه خلصت الى تورط 3 وزارات في تجاوزات مالية وادارية استمرت على مدى عشر سنوات لم تجد عيونا ترصدها رفعت كلفة انشاء المستشفى من 18 مليون دينار الى 28 مليونا ثم الى45 مليونا ثم الى 105 ملايين دينار، ألا يكفي الكشف بان ذلك المبلغ كاف لبناء مشروعين بنفس المواصفات، ثم ألا يعني شيئا اكتشاف ان الشركة الاجنبية التي عهد لها بادارة المشروع لم تكن مؤهلة لهذه المهمة ولم تكن لها علاقة لا من قريب او بعيد بعمليات تنفيذ وهندسة المستشفيات، ألا يعني ذلك شيئا، ثم ألا يعني شيئا كذلك خطابات التمرير الصادرة من عدة جهات رسمية والتي جعلت الشركة التي كلفت بتجهيز المستشفى من اجهزة ومعدات بانها شركة مثالية ثم اكتشف بانها غير مؤهلة على الاطلاق وهي التي طلبت 27 مليون دينار لشراء تجهيزات المستشفى، ثم اتضح ان من ضمنها ما تم الاستغناء عنه في ثمانينات القرن الماضي، ثم ماذا يعني ان يحقق الاستغناء تلك الشركة «المثالية» وقيام وزارة الدفاع بالمهمة وشراؤها احدث التجهيزات ووفر قيمته 21 مليون دينار. ذلك غيض من فيض ليس إلا، ألا يكفي ذلك لكي يقتنع النائبان وربما معهما آخرون باننا امام قضية فساد غير عادية ضاعت فيها قدسية المال العام، وانه بات عليهم خوض معركة ينتظرها الجميع بقدر انتظارهم لإجابات لأسئلة من نوع:
– اين كانت اجهزة الحساب والرقابة من كل هذا الذي جرى؟
– اين كان مجلس النواب وهو المؤتمن، على الرقابة وتمثيل الشعب في المراقبة؟
– هل تعني الوقائع التي حدثت بان بوسع كل مسؤول، او بعض المسؤولين ان يفعلوا ما يشاؤون دون حسيب او رقيب؟
– ماهو حدود الدور الذي لعبته بعض الشركات الخاصة في تلك التجاوزات؟، وماهي الاجراءات التي اتخذت بحقها؟
– اين كان ديوان الرقابة المالية؟
– هل سيبقى هامش” التسامح” لاحدود له، الى الحد الذي يسمح بعدم حساب المعنيين والمتورطين بالتجاوزات والاخطاء وهدر المال العام، وهو التسامح الذي له شواهد كثيرة لازالت وستبقى عالقة في الاذهان.

الاسئلة كثيرة، ولكن يبقى السؤال الجوهري الذي قلنا انه يختصر الحاجة الى اسئلة متعددة ومتشعبة، ولا نملك الاجابة عليه: ماذا بعد؟!!

 
12 مارس 2012