المنشور

الحوار الوطني وليس الفئوي


نأمل أن تكون هناك علاقة بين قرار مجلس النواب الأخير بإعادة التعديلات الدستورية إلى اللجنة التشريعية في المجلس من أجل مزيد من الدراسة، والمعلومات المتداولة عن اتصالات جرت وتجري بين ممثلين عن القوى السياسية وبعض الجهات في الدولة، تمهيداً لجولة حوار منتظر لبلوغ توافقات حول عدد من الإصلاحات السياسية، التي لابد أن تشمل تعديلات دستورية تتجاوز، في سقفها، تلك التي حولتها الحكومة إلى مجلس النواب.
 
وفي الفترة الأخيرة يزداد عدد القوى والفعاليات التي ترى ضرورة الحاجة إلى حوار وطني حول القضايا التي تعني الجميع في هذا الوطن، من أجل التغلب على معوقات وكوابح البناء الديمقراطي  والعيش المشترك والشراكة السياسية بين الدولة والمجتمع،   وتأمين الاستقرار والأمن.
 
وهذا يؤكد القناعة التي تحدثنا حولها مراراً، بأن الحوار يجب أن يكتسب الطابع الوطني، ويشمل جميع القوى الحية في المجتمع، وألا ينحو المنحى الفئوي أو التسويات ذات الطابع الطائفي، التي ستقع بالضرورة في محظور المحاصصة الطائفية، عندما يغيب عنها البعد الوطني الشامل الذي يأخذ بعين الاعتبار ما في البحرين من تعددية اجتماعية وتنوع ثقافي وفكري، لا يصح معه تسييد رأي واحد أو إرادة مجموعة واحدة.   
 
 وفي هذا المجال لا يصح تجاهل دور القوى والتنظيمات السياسية والشخصيات الوطنية البعيدة عن الانحيازات الفئوية ، والتي تعبر،  بصدقٍ  وأصالة،  عن الوحدة الوطنية الحقيقية بتعبيرها عن مقادير مختلفة من التنوع السياسي والاجتماعي في البلد ،  كما أنها تغطي مساحة يُعتد بها من التمثيل المجتمعي من خلال دورها في بناء المجتمع المدني على أسسٍ عصرية، وتوفرها على طاقات وكفاءات في المجالات المختلفة، وهذا ما يتطلب أن تكون مكونات أي حوار منشود والمشاركين فيه ما يعكس بانوراما المجتمع البحريني، اجتماعيا وسياسياً، وضمن هذه المكونات من
يُشكل رافعة جدية للوحدة الوطنية.
 
إن أوجه الانقسام الناجمة عن الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد لا تعكس حقيقة الاستقطاب السياسي الموضوعي ولا المصالح الحقيقية لأطراف العمل السياسي، وهو في تقديرنا انقسام طارئ، لا يمكن له أن يستمر إلى ما لانهاية، فهو لا يخدم إلا مصالح قوى طارئة، استثمرت وتستثمر الأزمة في أهداف أبعد ما تكون عن مصالح الوطن، وبالتالي يجب ألا تذهب أية تسوية محتملة نحو تكريسه وتعزيزه، بل وترسيخ آليات إعادة إنتاجه وبالتالي استمراريته، لأن ذلك سيكون تنويعاً على الأزمة ذاتها، ونقلها من صورة إلى صورة أخرى، بدلاً من معالجة جذورها الجوهرية، بالمضي في طريق الإصلاح وتطويره، لا التراجع عنه، وبعدم الانجرار إلى قولبة الموضوع في متقابلات شيعية – سنية.
 
البحرين بحاجة إلى حوار سياسي وطني، لا إلى حوار فئوي، وعلى الدولة أن تكون طرفاً في هذا الحوار الذي يجب أن يشمل نقاشاً معمقاً حول القضايا الرئيسية التي تعني المجتمع البحريني في مرحلة تطوره الراهنة وفي المدى المستقبلي أيضاً، للوصول إلى توافق سياسي قابل للبقاء، يستفيد من عِبر الأزمة الحالية، ويخرج بنا من المناخ المأزوم سياسياً وأمنياً، ويعيد للبلد عافيتها المفتقدة.