المنشور

الحل في التسوية التاريخيـة


يوحد أهل البحرين تاريخ مشترك من الكفاح في سبيل الحرية والعدالة، قبل أن تتسيد المحاولات التي أعادت فرز المجتمع على أسس مدمرة، خالقة الوهم لدى أفراد هذه الطائفة أو تلك بأن الخطر الذي يتهددها آت من الطائفة الأخرى، مما يدفع الجميع إلى التخندق داخل شرنقة طائفته بدل الانصهار في البوتقة الوطنية الشاملة.
 
المخرج من الوضع الراهن لن يكون إلا مخرجاً وطنياً، بمعنى أنه مخرج متوافق عليه بين مكونات المجتمع البحريني المتعددة، وأن ينبني هذا المخرج على الاستجابة للمطالبات بالإصلاح السياسي وتأمين شروط حياة أفضل للمواطنين.
 
وعند تقييم الوضع الناشئ في البحرين اليوم يتعين رؤية الموضوع من زواياه المختلفة، لا من زاوية واحدة فقط، ومن ذلك أن ننتبه إلى مخاطر الاستقطاب الطائفي المتصاعد في المجتمع، ومخاطر ذلك على النسيج الوطني في البلاد، ومستقبل العيش المشترك فيها.
 
والخبرة السياسية المستخلصة من تاريخ البحرين الحديث تشير إلى أنه لتحقيق أي مطلب من المطالب، لا بد من تأمين التوافق الوطني عليه، فالسنة مثل الشيعة حريصون على أن تتطور بلادهم وتتقدم سياسياً، والمطلوب اليوم حالة وطنية عامة تعكس المزاج المشترك للمجتمع البحريني بمكوناته المختلفة، وبما يؤكد الطابع المتنوع للشعب البحريني، ليس من وجهة النظر المذهبية فقط، وإنما أيضاً من وجهة نظر التنوع السياسي والفكري والاجتماعي.
 
ومن هنا ننظر بايجابية إلى أي مسعى يشمل الفاعلين في الحراك القائم اليوم من مواقعهم المختلفة، من أجل إخراج البلاد من حال التوتر السياسي الراهن، وعدم السماح لحال الاستقطاب الطائفي بأن تستفحل أكثر، وتهدد ما بنته وضحّت في سبيله أجيال من البحرينيين على مدار عقود طويلة، وان يستلهم مما نجحت الحركة الوطنية في خمسينات القرن الماضي فيه حين وحدت الشعب، في إطار وطني شامل من أجل الاستقلال والحرية وإطلاق الحريات العامة والمشاركة السياسية، وعلى هذا الدرب المشترك سارت التنظيمات التي قادت شعب البحرين في نضاله على مدار عقود.
 
لم يستمر الأمر على هذا المنوال في العقدين الماضيين، فأمام انفجار الهويات المذهبية في غير مكان من محيطنا العربي والإسلامي، اندفعت نحو صدارة المشهد السياسي قوى تنحصر صفتها التمثيلية في إطار هذا المذهب أو ذاك، وبهت الخطاب الموحد أمام سطوة الخطابات الناطقة باسم الطوائف. لكن جوهر القضية في البحرين هو جوهر وطني بامتياز، فليس طلب الإصلاح والعدالة الاجتماعية أمراً خاصاً بأحد وحده.
 
كل أهل البحرين يتطلعون إلى أن يروا في بلادهم مقادير أكبر من المشاركة السياسية ومن الحريات الديمقراطية ومن العدالة في توزيع الثروات، وخطيئة أن تجري تزييف مطالب الإصلاح بإضفاء الطابع المذهبي عليها، والهروب من خيار الإصلاح المستحق بدفع الأمور نحو الاصطفافات الطائفية. وكما في كل مناسبة يجري التطلع إلى أية آلية جدية للحوار كمخرج واقعي سليم من الوضع المأزوم بالاتفاق على جدولة زمنية لأجندة الإصلاحات المطلوبة، كي يفضي إلى ما نريد أن نسميه تسوية تاريخية قابلة للعيش طويلاً، تؤمن للبلد استقراره وأمنه والتنمية المتوازنة فيه، وتنتشل البلد من وضعه الراهن الذي لم يعد من الصالح الوطني العام أن يستمر أكثر مما استمر.