المنشور

هل ثورة تونس اصبحت ضد حرية الرأي؟


الناقد جابر عصفور كتب بحثا عن الأصولية يقول فيه: تتحول الأصولية الى نزعة قمعية خالصة لا تتردد في ممارسة العنف على خصومها عندما تعمل في حماية أو خدمة دولة تسلطية تمارس العنف نفسه على كل المستويات، عندئذ تغدو الأصولية الوجه الفكري لهذه الدولة بالقدر الذي تحول به الفكر الأصولي في فعل ممارسته الى أداة من أدوات الدولة القمعية التي تمنحه شرعية الوجود ومبرر البقاء، ذلك ما حدث للأصولية القومية والأصولية الدينية على مستويات الممارسة المختلفة سواء بواسطة الأفراد الذين ينقلبون بالمعتقد النظري إلى دغما عملية أو بواسطة الدولة التسلطية التي نعاني نماذجه في العالم الثالث أو بواسطة المجموعات المتطرفة الموازية لسلطة الدولة والمعادية لها في آن.
 
حقيقة هذا الكلام يجرنا الى تجربة الثورات في دول «الربيع العربي» كالحال في تونس مثلا التي استلم فيها التيار الديني السلطة بعد ما يسمى “بثورة الياسمين منذ قيام الثورة التونسية” و”التوانسه” تتملكهم مخاوف شديدة لا تنقطع حول افاق الدولة التونسية الحديثة وابرز هذه المخاوف مدى التزام هذا التيار بشروط تأسيس الدولة الديمقراطية المعاصرة التي تحترم حقوق الانسان وحرياته.
 
نعم هناك مخاوف وهواجس وتساؤلات كثيرة من قبل الشارع التونسي الذي يطالب المجلس التأسيسي أو بالأحرى التيار الاسلامي الذي حظي بنصيب الاسد في الانتخابات البرلمانية بضرورة تأسيس تلك الدولة وفق الشروط والمبادئ الديمقراطية اهمها واساسها حرية الرأي والتعددية وحقوق المرأة.
 
ومن بين هذه الهواجس مصادرة حرية الرأي والتعبير وبالتالي ما جرى في القناة «بسمه» الفضائية التي تجري الآن محاكمتها بحجة تعكير الصفو العام وذلك لعرضها فلم «كارتون» يعتقد انه يمس «الذات الالهية» دليل واضح على ذلك والاخطر من ذلك اذا كان الهدف من تلك المحاكمات تصفية حسابات باسم الدين وكذلك تكميم الافواه وتقييد الاصوات الليبرالية واليسارية والتقدمية التي رفضت ولا تزال ان تمضي تونس بعد عقود من النضال من اجل الديمقراطية وحقوق الانسان في نفق التزمت الديني المظلم الذي بدأت عتمته بسلب حرية الرأي او قمعها او كما سبق واشرنا فان القيود على الحريات يجعل الغد أكثر ظلمة، وبالتالي فان هذه القيود التي فرضت على هذه القناة التنويرية لم يأت من فراغ وانما من منهجية فكرية ايديولوجية يسودها الشك وانتهاك الرأي الآخر!! وعلى هذا الأساس، فلا عجب عندما تمنع المحكمة المصورين والاعلاميين الذين جاءوا ليغطوا وقائع محاكمة نبيل القروي مدير القناة بدعوى الاساءة الى المعتقدات والاخلاق، والادهى من ذلك لقد هددت بعض الجماعات الاسلامية المحسوبة على التيار السلفي باستباحة دم «القروي» وكذلك افراد اسرته ولم تتردد تلك الجماعات لحظة واحدة في الاعتداء على مظاهرة التضامن التي خرجت امام المحكمة لتعلن تضامنها مع تلك القناة المذكورة ومع مديرها تحديدا.  ومن الشخصيات الليبرالية التي تم الاعتداء عليها عضو المجلس التأسيس السينمائية سلمي بكار والقانوني عبدالحليم مسعود وغيرهم من الكتاب والسياسيين ونشطاء في مجال حقوق الانسان!!
 
كل هذا العنف وكل هذه الانتهاكات لحرية الرأي والتعبير حدثت في قاعة المحكمة وفي خارجها دون ان يحرك الامن ساكنا بمضي حينما تم الاعتداء على المتظاهرين لم يتدخل الامن المتواجد وقتذاك اطلاقا وهذا ما يدفع الى عدة تساؤلات: هل الامن متواطئ مع المعتدين؟ لماذا تصادر الحقوق في تونس الثورة؟ واذا كانت هذه المصادرة تشكل نقطة البداية في طريق الاستبداد والقمع فمن الطبيعي ان يتوجس الرأي الآخر من الغد الذي قد يشهد محاكمات لحرية الرأي وللأعمال الادبية والفنية على غرار محاكمات التفتيش في القرون الوسطى؟! ولا شك ان هذه الممارسات اللاديمقراطية تشغل بال القوى الديمقراطية والتقدمية التونسية التي تطمح الى دولة مدنية تعددية اساسها وجوهرها فصل الدين عن الدولة وعن السياسة وكذلك الحال بالنسبة لليبيا ومصر والمغرب الواقعة في قبضة الاسلام السياسي الذي منذ نشأته لجأ الى العنف وتكفير وتخوين الرأي المختلف!!
 
خلاصة القول لا يمكن لاحد ان يشكك في ثورة الشباب في تونس وغيرها من دول «الربيع العربي» التي دحرت الانظمة الاستبدادية ومع ذلك ستظل المخاوف واردة طالما هناك من يميل في تلك الدول الى تقييد الحريات، وهذا كما قلنا سلفا – يطرح مجموعة من الاسئلة اهمها ما يدور في الاوساط الوطنية والديمقراطية: هل ثورة تونس اصبحت ضد حرية الرأي؟!
 
الأيام 4 فبراير 2012